توبة، ويسفك دمه، وهو رأي الشيخ الإِمام الوالد تغمده اللَّه تعالى برحمته. ومنها نظرهم في أمر دواداريتهم (١) فأكثر ما ينشأ فساد بابهم عنهم وهم غافلون. فإذا عرف نائب السلطنة أن ميزان بابه الدوادار، فحقَّ عليه الاحتياط في أمره، وعدم الإِصغاء إليه فيما يقوله، بل يستوضح الحال ويستكشفه من بطانة (٢) الحير عنده، فقد قال النَّبيّ ﷺ: "ما مِن ملِك أو أمير إلَّا وله بِطانتان: بطانة تأمره بالخير وتحضُّه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضُّه عليه" (٣) وممَّا يختصُّ بالإِمام، وليس لنوابه الاستبداد به من غير استئذانه، الحِمَى (٤). فلا يحمي غير الإِمام الأعظم على الصحيح عند الوالد وكثيرين إلَّا بإذنه.
_________
(١) هذا اللفظ مركَّب من كلمتين: عربية وهي (دوا) وهي الدواة بحذف التاء، وفارسية وهي (دار) ومعناه ممسك أو صاحب أو حافظ فمعنى دوادار ممسك الدواة أو صاحبها. وسترى أنَّ الكلمة الثانية تدخل في كثير من ألقاب السلطنة في عهد المؤلف. ووظيفة الدوادار الدوادارية، وموضوعها تبليغ الرسائل عن السلطان وإبلاغ عامة الأمور، وتقديم القصص (والعرائض) إليه، والمشاورة على من يحضر إلى الباب الشريف، وأخذ خط السلطان على عامة المناشير والتوقيعات. انظر صبح الأعشى ص ١٩ ج ٤.
(٢) بطانة الرجل صاحب سره، الذي يشاوره الرجل في أحواله.
(٣) هذا الحديث في صحيح البخاري في كتاب الأحكام، ولفظه فيه؛ ما بعثَ اللَّه من نبىّ ولا استخلف من خليفة إلَّا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضُّه عليه، وبطانة تأمره بالشرِّ وتحضُّه عليه، والمعصوم من عصم اللَّه تعالى. وورد أيضًا في سنن النسائيّ في كتاب البيعة بعدة روايات، ومنها ما يوافق لفظ البخاري، ومنها: ما من والٍ إلَّا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالًا، فمن وقي شرَّها فقد وقى. وكأنَّ المؤلف اعتمد في رواية الحديث على المعنى.
(٤) الحمى: موضع فيه كلأ يمنع من الناس أن يرعى. وقد كان القويّ في الجاهلية يتَّخذ لماشيته حمى لا يقربه غير ماشيته. روي أن الشريف منهم كان إذا نزل بلدًا استعوى كلبًا فحمى لخاصته مدى عواء الكلب لا يشركه فيه غيره، فلم يرعه معه أحد، وجاء الإِسلام فأبطل هذا وفرض أنّ الحمى لا يكون إلَّا لمصلحة عامة المسلمين، وقد حمى عمر ﵁ النقيع لإبل الصدقة، واستعملَ عليها رجلًا أوصاه ألَّا يمنع المحتاج أن يرعى ماشيته فيه. قال الفقهاء: ليس للإِمام أن يدخل مواشيه فيما حماه للمسلمين لأنه قوي، وإنَّما الحمى للضعيف، وقد عرض الفقهاء لأحكام الحمى في باب إحياء الموات من الأرض.
1 / 26