يشكر اللَّه من لا يشكر الناس" رواه أبو داود بهذا اللفظ والترمذي بلفظين: أحدهما: "من لا يشكر الناس لا يشكر اللَّه" والآخر: "من لم يشكر الناس لم يشكر اللَّه". وفي حديث النُّعمان بن بَشِير أنَّ النَّبيّ ﷺ قال: "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر الناس لم يشكر اللَّه. والتحدُّث بنعمة اللَّه شكر، وتركِهِ كُفْر" الحديث في إسناده الجراح بن مليح والد وكيع تكلَّم فيه بعضهم، والعمل على توثيقه وأخرج له مسلم. وفي حديث الأشعث بن قيس الكندي: "إن أشكر الناس للَّه أشكرهم للناس" أخرجه أحمد بن منيع في مسنده. قلت: ورد بذلك لكونه أجرى النعمة على يديه فيكون شكرك إيّاه داعيًا له إلى أن يزيد من فعل الخير ولك أن تشكر الفاعل بالحقيقة الذي هو الربُّ تعالى ولغير ذلك من الأسباب التي لا غرض الآن في شرحها، فعليكَ شكره لأجل أمر اللَّه تعالى لا لاعتقاد أنه فاعل. بل لو شكرته بذلك الاعتقاد كنت مشركًا لا شاكرًا. فاشكره واعلم أنَّه لا ينفع ولا يضر، وأنَّه ربَّما تغيَّر عليك بأيسرِ الأسباب، وانقلبَ حبه بغضًا، ومالت تلك الدواعي وتبدَّلت بضدِّها. وإنَّما المحسن الذي لا يتغير ولا يحول ولا يزول رب الأرباب. والواسطة بين الخلق والحق الذي هو بنا رؤوفٌ رحيم لا تتغيَّر حالته محمد المصطفى ﷺ. فلا فاعلَ إلَّا اللَّه ولا سبب لخير إلَّا نبيه المصطفى الأمين خير الخلق أجمعين محمد سيد المرسلين والنبيين، عليه أفضل الصلاة والسلام من ربِّ العالمين.
فإذا استقرَّت هذه القاعدة عندك بحيث صرت تتلقَّى كل ما يأتيك من اللَّه تعالى لا من أحد من خلقه فهذا شكرٌ عظيم للنعمة وهو أعظم أركان الشكر، ولذلك أطلق عليه كثير من المحققين أنَّه نفس الشكر، حيث قالوا: الشكر الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع. وإنَّما أطلقوا عليه ذلك لكونه أعظم الأركان، كما في قوله ﷺ: "الحجُّ عرفة" و"الندم توبة" ونحوَ ذلك. أخبرنا داود بن سليمان بن داود الآباري إذنا أخبرنا عم أبي أبو الطاهر يوسف بن عمر بن يوسف سماعًا أنا بركات بن إبراهيم الخُشُوعيّ أنا هبة اللَّه بن الأكفاني أنا أحمد بن عبد الواحد بن محمد، ومحمد بن عقيل بن أحمد قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان بن أبي الحديد أنَّا أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطيّ السَّامرِّي
1 / 14