आधुनिक नगरीकरण की समस्याएं
معضلات المدنية الحديثة
शैलियों
ولقد ورثت روما البربرية هذا التراث عن اليونان، وعلى الرغم من أن اليونان كأمة قد انحلت وزالت، فإن الفلسفة اليونانية ظلت حاكمة بأمرها في العالم الروماني والحضارة الرومانية (ص125). غير أن أنانية روما الاستعمارية قد هزت قواعد روما وخلخلتها، وفي ذلك العهد أمكن لحواري من حواريي المسيح أن يملك منها الزمام، وأن يقبض على أعنتها (ص125).
حقيقة أنه هبط روما وفي يده كتاب، وكان يحمل فضلا عن ذلك نزعات المنطق الديني الآسيوي ليشق به لنفسه طريقا، ولكنه لم ينته إلا بأن بث فكرة مجردة لا غير، ذلك لأن الحضارة الرومانية ابتلعت المسيحية وكل نظاماتها، والدليل على هذا أنها ليست فكرة الحق المسيحية هي التي تسلطت على أوروبا، بل فكرة الحق الرومانية. وكذلك عاش نظام الأسرة الروماني وأينع وآتى أكله، في حين أنه لم يقو نظام واحد من نظامات آسيا الاجتماعية على أن يلج لروما بابا، وكذلك لم تعرف هناك عادات المسيح، بل إنه لم يتغير في روما من شيء إلا اسم الإله الذي كانوا يعبدون، وهذا الدين على هذه الصورة هو الذي ذاع وانتشر في أنحاء الإمبراطورية الرومانية (ص126).
على هذا النمط ملكت ثانية الديانات المنزلة زمام أوروبا، إنها ديانة قامت كغيرها على الأوامر والنواهي الإلهية، وكانت من الناحية المنطقية على أبعد ما يتصور من الإبهام والغموض والتعقيد، فكان هذا سببا في أن تتسع لكثير من ضروب التفسير الاختياري الذي لا يتقيد فيه مفسر بنص ولا قاعدة. غير أنه على الرغم من كل هذا أنقذت الحضارة الرومانية أوروبا، فإن كل أمة من الأمم التي اعتنقت النصرانية لم تتخل لحظة واحدة عن عقيدتها الأصلية إزاء الحق الإنساني، ولم تبعد قيد أنملة عن نظاماتها العائلية وغيرها من ظواهر الحياة كما ورثت عن الحضارة الرومانية، لهذا قام نضال وكان صراع بين العقلية المسيحية القدسية وبين العقلية اليونانية الرومانية دار حول نظام البابوية (ص126).
لقد نهجت المسيحية نهج كل الديانات الأخر، لقد علمها زعماؤها على أنها تقاليد لا تنقض، وبذلك وقف تيار العلم الارتقائي، وحصر التعليم بين جدران المدارس المسيحية، غير أنه بجانب هذا قامت الحياة الاجتماعية ونظاماتها غير ممسوسة بشيء من هذه الروح. والحقيقة أنه لم يكن للمسيحية من نظامات ومعاهد تتغلب بها على النظامات والمعاهد التي كانت في أوروبا من قبل، وهذا هو السبب في أن أوروبا قد استطاعت أن تنجو بنفسها عن أن تصبغ بالصبغة الآسيوية. فإذا كانت المسيحية قد نقلت معها إلى أوروبا شرائع كشرائع تعدد الزوجات أو الحجاب أو منطق يوحي بالقضاء والقدر أو أوامر منزلة تقضي على حس الجمال وحب الطبيعة والحياة؛ إذن لقضي على أمم أوروبا ب «الدروشة» كما قضي على بلاد فارس والهند وجزيرة العرب. وما كان يغني عنهم أنهم أوروبيون، فإن مسلمي البوسنة ومسيحييها لأبلغ مثال نضربه لنؤيد به ما نقول. وما دام مسلمو البوسنة في هذا العصر قد انتحلوا حياة العرب الاجتماعية وهم بعد في قلب أوروبا، فما الذي كان ينجي أوروبا من مثل ذلك؟ (ص127).
ثم جاء عصر التجديد، وتبعه لوثر؛ إن المزاج الألماني لم توافقه مراسيم روما وطقوسها، فبدأت عهد الإصلاح وشق لها لوثر الطريق، قيل بأن كلمات الله لا يمكن أن تحتكرها اللاتينية، وأن كل اللغات يصح أن تكون لله، وكذلك الطقوس الدينية يجب أن تتبع أحكام العقل، فألغى لوثر كل الطقوس التي لا تتفق ومطالب الحياة، أو لا تتجانس والعقل أو الذوق السليم، إذ كيف يتسنى لأمم متحضرة على النمط الحديث أن تلزم طقوسا ومراسم بشر بها بداءة ذي بدء لشعوب عراة حفاة دأبهم البطالة والكسل، وأخص صفاتهم الجهل، شعوب عاشت بلا نظامات تشريعية أو حكومات؟ لقد فهم لوثر هذه الحقيقة، ولذا سلك أقوم سبيل (ص218).
ليس الإصلاح الديني - الذي قام به لوثر - إلا جزءا من التأثير الروماني العظيم الذي برز إلى الوجود من خلال الحضارة اليونانية. وعلى هذه القاعدة عينها قامت الثورة الفرنسوية، فإن كان زعماء الثورة في فرنسا كانوا جميعا من المؤتمرين بما أوحى به فلاسفة اليونان لعالم البشرية، فكتاباتهم ملأى بكلمات تفوه بها فلاسفة اليونان، وحياتهم مثل لمبادئ وضعوها. إنك لا تقع فيما كتبوا على استشهاد اقتطع من كتاب منزل، لأنهم لم يجدوا لا في الأناجيل أو التوراة ولا في كتاب زرادشت حقائق كالتي وقعوا عليها في مؤلفات اليونان. لقد كمن هذا الحق الثابت في تضاعيف الفطرة الإنسانية، والثورة الفرنسوية إنما استكشفت هذا الحق وعكفت عليه (ص129).
لقد استكشفت أن الحق عقلي لا تقليدي، وأن العلم يمكن استنباطه واستقراؤه من أعمال الناس وحاجات الجماعة وكنوز الطبيعة، وأن ليس للملوك ولا للبابوات من حق في الادعاء بأن لهم من قدرة على فهم الحق والعصمة من الخطأ أكثر مما لكل الناس، لقد نزعت الثورة عن الدين سلطة الدنيا وتركته في حيزه الطبيعي، في صدر الجماعات ومشاعرها (ص130).
وما كان لشيء أن ينتج عن هذا إلا القومية، لقد كانت الثورة الفرنسوية لكل الإنسانية، ولكنها انتهت بالقومية. وفيها تعثر إذا ما بحثت على الأسس التي قامت عليها العقلية القومية في أوروبا (ص132). هذه هي العقلية الأوروبية، ولن تجد لها من مثل في آسيا. على أننا قادرون على انتحالها، فإننا بشر مثلهم والواجب علينا أن ننتحل هذه العقلية كما هي جملة وبلا تجزئة (ص133).
ولكن كيف يتيسر لنا ذلك؟ يتيسر لنا بأن نسلك الطرق الثورية الانقلابية. إن الحاجة تدعونا لأن نلغي العقلية الآسيوية وأن نحل محلها العقلية الأوروبية. إننا تواجهنا الآن مصاعب ومشكلات كتلك التي قامت في وجه الثورة الفرنسوية، لهذا وجب علينا أن نستخدم الوسائل الثورية، وليس في الدنيا من ثورة حبت أعداءها بنعمة الحرية، إنما الحرية الشخصية تكون بيقين حقا للجميع بعد أن تضع الثورة أوزارها وتثبت أصولها، لهذا لا نستطيع أن نترك بزرة الحركات الرجعية تنمو حبتها في العصر الحاضر، وإلا فإن الثورة لن تنجح (ص135).
إن الحضارة الأوروبية تقوم على ثلاثة أسس عظمى: الأول حقوق الإنسان، والثاني الثقافة القومية، والثالث الاقتصاد والمالية القومية. ولنبحث كلا من هذه الأسس على حدة:
अज्ञात पृष्ठ