आधुनिक नगरीकरण की समस्याएं
معضلات المدنية الحديثة
शैलियों
لنتساءل: لماذا لم يكن في مقدور المذاهب الإسلامية أن تنقذ الإمبراطورية التركية؟ والجواب أن ليس لهذا من سبب إلا أن عقليتها قد عكفت على الاعتقاد بأن الحق تقليدي صرف، أما العلم اليقيني الحديث فيعتبر أن هذه العقلية سم قاتل، لأنها بعد أن تحتكم في الفرد وتستقل بوجدانه وتبعده عن التفكير في أمر نفسه، يكون في مستطاعك أن تجعله يعتقد بصحة أية من الأحكام الدينية فيما يتعلق بحياة الأسرة أو نظام الحكومة. وهذه العقلية هي السبب المباشر فيما ترى من سوء النظام والعادات القبيحة، كتعدد الزوجات في الحياة العائلية وانقسام الناس إلى أحزاب وطوائف في النظام الاجتماعي في الشرق كله. (ص22).
انظر في نظام الحكومات أو تاريخ الشعوب التي مضت عاكفة على هذه العقلية فماذا ترى؟ ملكا مستبدا بعيدا عن التقيد بما توجبه شرائع الآداب، منعوتا دائما بأنه ظل الله فوق الأرض، وقصرا منيف الظاهر مشمخر البناء وما هو في الحقيقة إلا دار بغاء رسمي، تملأ جوانبه السراري والجواري، بل إنهم عبارة عن مجموع من أبناء البشر تعساء بعيدين عن حقيقة الحياة. (ص25).
إن أهل الكلام من المسلمين لم يعنوا بتحرير الضمائر والأفكار، كما أن التشريع الإسلامي لم يحب أهل الإسلام بحق الحياة والعمل، بيد أن كل الأمم الآسيوية قد حكمت بنظامات وتعاليم دينية، وكل القوانين التي فرضت على هذه الأمم قد استمدت من هذا النبع وحده، ولما كانت هذه القوانين بمقتضى ذلك غير متغيرة ولا متحولة، قد قاومت في كل عصور التاريخ جولة هذه الأمم نحو النشوء والارتقاء كلما حاولت أن تخطو نحوه. إن أهل الكلام قد أعاقوا العقل عن النماء والتطور، كما أعاقت النظم التشريعية تطور الشعور الاجتماعي، فنتج عن ذلك أن أصبح من أقصى المستحيلات أن يقع في آسيا انقلاب ثوري لا في الصورة العقلية ولا في النظام الاجتماعي. (ص26).
تحت تأثير هذه العقلية قيدت الإرادة، فقتلت حينا، وأعطيت من الحرية قدرا ضئيلا حينا آخر، في حين أن الإرادة الإلهية ظلت طوال الأعصر القوة الحاكمة بأمرها، وردت الإرادات والأسباب جماعها إلى «القضاء والقدر» الذي تصرفه القوة القدسية الغيبية، وهذا هو السبب في ما يدعى ب «البطالة الشرقية»، تلك الصفة التي يناظرها في الغرب ما نسميه ب «الحضارة الأوروبية». (ص26).
إن كل ما حاول الغرب أن يصل إليه من طريق الإكباب على درس العلوم اليقينية، حاولت الأمم الآسيوية أن تبلغ إليه من طريق الأناشيد والصلوات والسحر والأرواح (ص27).
جب نواحي آسيا وافتح باب أي قصر من قصورها الضخمة، فإنك لا تجد إلا قطيعا من رجال ونساء اتخذوا الزنا حرفة في الحياة، وهذه هي بعينها حال الخليفة والإمام والمشايخ. إن هؤلاء الرؤساء الذين أمروا الناس بأن يصوموا وأن يتعبدوا ابتغاء وجه الله، وفي الوقت ذاته صرفوا الناس عن كثير من خيرات هذه الحياة؛ لم يكن لهم في حياتهم الداخلية من بغية اللهم إلا الحصول على اللذات البدنية من أية طريق وبأية وسيلة، وهذا التناقض الواقع بين ما يأتون من فعل وما يتفوهون به من كلمات قد دل على خبثهم وخيانتهم وفتكهم بعقول الناس، وكان في الوقت ذاته سببا في أن تحتكم النزعات السلفية من خيانة وفجور في إدارة الحكومات. ولهذا تجد أن هذه العقلية قد مضت مستبدة بأمرها في كل طبقة من طبقات السلك الحكومي، حتى لقد اعتبرت الخيانة، كما اعتبر الغش والخداع، من الأمور المشروعة، تأييدا للمآرب الذاتية وخدمة لمصالح الأفراد (ص28).
لم تكن الديانات في تاريخ آسيا كله إلا حركات رجعية أملتها الغيرة التي تزود بها كل رسول جديد ضد الرسل الأقدمين. إن ديانات آسيا كافة واحدة في جوهرها، فإن تعاليم بوذا وكونفوشيوس وبراهما وموسى وعيسى ومحمد كلها واحدة، فإن اختلفت فإنها إنما تختلف في التفاصيل لا في القواعد (ص30).
هذا هو الحق الذي نقع عليه كلما قلبنا تاريخ الأمم الآسيوية، لقد خضعت آسيا لهذه العقلية، ولم يكن لديها من القوة الذاتية ما تستطيع به أن ترمي عن كاهلها ثقل هذه التقاليد. إذن فلا سبيل إلى الخلاص إلا بلقاح يستخلص من العقلية الأوروبية، وهذا هو السر فيما نرى من تقدم اليابان المدهش خلال الخمسين عاما الفارطة إذا قسنا تقدمها بتقدم الصين مثلا، إن الصين لا تزال اليوم واقعة تحت تأثير الذهنية الآسيوية، أما اليابان فقد نفضت عن كاهلها هذه الذهنية واستعاضت عنها بالذهنية الأوروبية إجمالا وتفصيلا. ولقد يظن البعض أنه من المستطاع أن تحوز الأمم هذا التفوق الكبير من طريق الاستعانة بالعلوم العملية وحدها، غير أن هذا مستحيل، لأن المسألة مسألة «عقلية» تتناول كل بناء الفكر والعواطف والمشاعر والحياة، تتكثف وتتراكز خلال الأجيال. إن «العقلية» كل لا يمكن تجزئته إلى أقساط ونتف، وعلى هذا وجب أن تلغى العقلية الآسيوية كلية؛ لتحل محلها العقلية الأوروبية في مجموعها، ولن تجد للخلاص طريقا آخر (ص31 و32). (3)
الأتراك أمة آسيوية، ولذا كان من الطبيعي أن يعيش الشعب التركي وأن يعمل متأثرا بوحي العقلية الآسيوية. وإنما ينحصر غرضنا الآن في أن نبحث حياتنا وتاريخنا لنرى كيف زودتنا الثورة الأخيرة بحياة جديدة، وأن نفهم طبيعة تلك الواجبات والالتزامات التي فرضتها علينا عقلية الثورة، ولنحكم على مقدار ما هو مطلوب منا من تضحيات حتى نستطيع أن نغرس هذه العقلية في نفوس الشعب بشكل قاطع (ص33).
لقد عودنا على أن نلقن بأننا عبيد الملك، ظل الله فوق الأرض، وأننا له ملك ومتاع، وهذا يتضمن بالضرورة الاعتقاد بأنه ليس لدينا من شيء يمكن أن يقاوم قوة خليفة الله الواحد القهار، المتربع فوق عرش الأرض، وأنه لن يكون من نظام اجتماعي أثبت أصولا من اجتماعنا، ولا حياة دنيوية أسعد ولا أمتع من حياتنا. بينما كانت الحقائق الملموسة توحي لنا كل حين بأن في أنحاء مملكتنا فقر وجوع، وأن جزءا بعد جزء من أطراف الإمبراطورية كان يؤخذ عنوة ورغما منا نهبا واغتصابا، وكانت لنا حكومة هي أضعف من أحط الحكومات الأوروبية، متردية في حمأة الرشوة، مفككة الأوصال مضطربة الأحوال، بعيدة عن حكم الشرائع والآداب، وأننا كنا نستجدي الغرب في كل شيء نحتاج إليه، ومع كل هذا فقد كان لدينا «ظل الله فوق الأرض» وأربعون زوجة من زوجاته، وأربعون غلاما ممن تعرف ولا أذكر، لا شغل له إلا أن يحمل الشعب على أن يتجرع فكرة الجنة ونعائمها على ما وصفها رجال المذاهب القديمة. كان قد أصابنا الانحلال في الداخل، ولم يكن لدينا من سبيل لكي نفهم الحق وأن نعرف الحقيقة إلا بأن نتصل من طريق ما بالمعرفة الأوروبية، وأن نعترف بتفوق العقلية الغربية، وأن نكب على درس الأسباب التي غرست الشقاء والتعاسة في أرض من كنا نعتقد أنه «ظل الله فوق الأرض»، ولما فعلنا بان لنا أن «ظل الله فوق الأرض» لم يكن شيئا اللهم إلا صنما مفقود القوة والروح، كأي صنم من أصنام بوذا في الهند. وكان لنا بمحمد أسوة، فكما أنه حطم أصنام مكة والمدينة، كذلك نحن حطمنا أصنام الخلفاء والمذاهب القديمة والتكايا والقبور. هذا هو معنى الثورة، أما منافعها فسوف تكون عظيمة لخير الأمة وسعادتها في المستقبل (ص34).
अज्ञात पृष्ठ