आधुनिक नगरीकरण की समस्याएं
معضلات المدنية الحديثة
शैलियों
وعاد إحسان إلى طاولة من خشب الأرو الجيد، وجلس إليها يفحص البريد بعين غير مطمئنة مناجيا نفسه: ها قد مضى أسبوعان، ولم تكتب لي دلال حرفا واحدا، فماذا عسى أن يكون الباعث على هذا؟ لعلها مريضة، أم تكون قد نسيت عهدي وفضت عن قلبها خاتم حبي؟ أيمكن أن يكون لهذه الحياة قيمة بغير الحب؟ وأي سر من أسرار الوجود هو أدعى إلى التأمل من هذا السر الخفي، سر القلب المولع بحب فتاة من بنات حواء يسكن بقربها خفقانه، وينضب مع بعدها ماؤه وتزول حياته؟ وأية عاطفة من عواطف الحياة الإنسانية هي أشرف من هذه العاطفة التي تفيض معها الحياة ملأى بصور الجمال والجلال، وترتد بدونها حزينة جرداء؟ كم أريد أن أشم تلك الزهرة الناضرة التي ألقاها الحظ في سبيل حياتي! وكم أشعر بحاجتي إلى سماع دقات قلبها تجاوب دقات قلبي!
وأخذ يقلب في أوراق متناثرة على مكتبه، فعثر بينها على ورقة أخذ يقرأ فيها خطرات كتبها منذ بضع سنين، وإذا به يقرأ:
لا أقول في هذه الحياة كما قال أبو العلاء «هذا جناه أبي علي»، بل أقول: هذا حكم القضاء، كان سرا حمله الأبد حتى تمخض به زمني، وما أنا بالمضغة اللينة يطحنها الزمن ويبتلعها الدهر بغوائله ونكباته، بل الحصاة الصلبة تقاوم صدمات الأقدار، فلم أجزع؟ إني قوام على نفسي بالإرادة والصبر الجميل، ولكن للصبر وحسن التدبير حدا إن بلغ إليه المرء فقد صبره وساء ما دبر. على أن القول رداف، والحزم عثراته تخاف، والعاقل من وازن بين حدي المنفعة والحاجة، وكلا الأمرين يدعوني لأن أشرك في حياتي نفسا أخرى يكون لها في أيامي شركة وفي حظي من الدنيا نصيب، وإنني لأقدم على أمر إن خانني فيه الحظ فستكون آخر سهامه يوجهها إلى صميم قلبي، وإن بسم لي الزمان وعاضدتني الأحوال، فعند ذلك تقوم في نفسي أول نهضة أضع فيها أساس ما أريد لنفسي من مجد، عندئذ تنبت في غصون حياتي الجافة أوراق الأمل فواحة وضاحة، ويخضر روضي وتبسم حياتي. أريد نفسا خلصت من أكدار الحياة، غضة الإهاب، كبيرة الآمال، محصورة المطامع، تجول في عينيها معاني الفطرة النقية كما تجول من أوراق الزهرة قطرات الفجر الندية. أريد أن يكون قد قذف بها فلك القضاء والقدر إلى عالم الموت والحياة، وقد تنقلت من منازل العمر حتى حطمت العشرين، فيلقيها الحظ في سبيل حياتي كقبس من النور الإلهي الفياض يضيء شعاعه اللامع نواحي في نفسي أحسب أن مصائب الأرض قد أمحلتها حتى ليتعذر أن تصل إليها مراحم السماء. تلك هي التي أود أن يكون لها في حياتي شركة ونصيب، على أنني لم أجدها بعد، ولعلني يوما من الأيام ألقاها.
ثم ألقى بالورقة من يده وملء نفسه اليأس متمتما: «لقد ألقى بها الحظ في سبيل حياتي فعثرت بها، ترى هل الأقدار تنتزعها من بين يدي تارة أخرى؟»
ثم صاح بملء نفسه: «أيتها الأقدار العاتية، صبي علي لعنة الأبد ولا تبق لي على شيء إلا حبي، فإنه يفرج كربتي ويؤنس وحشتي.»
وإذا بالشيخ تمراز يركض عدوا ميمما نحو غرفة سيده الصغير.
5
عزيزي إحسان
لئن تأخرت عليك رسائلي، وانقطعت عنك أخباري حينا من الزمان، فإن قلبي لا يزال يلهج بذكرك، ووجداني يفيض إليك شوقا وحنوا. وكيف أنساك يا من أصبح للقلب سلوة، ولمصائب الحياة عضدا، ولملمات الدهر سندا؟ أفي استطاعة القلب البشري أن يسلو حبيبا أحبه لا لشيء إلا لأنه أحبه؟ وهل في الحياة الإنسانية بأجمعها قلب فتاة انطوى على الطهر أحب ثم سلا؟
ما انقطعت عنك أخباري إلا لأن القدر قطع منذ أيام عمادي ومضى بسنادي إلى حيث يمضي كل حي، مضى بأبي في ذلك السبيل الذي سوف نقطعها، حتى إذا ما بلغنا المنتهى حمدنا السرى وقررنا بسفر الحياة عينا.
अज्ञात पृष्ठ