आधुनिक नगरीकरण की समस्याएं
معضلات المدنية الحديثة
शैलियों
إن التاريخ كرواية للماضي لن يزودنا بتلك الصفات التي نستطيع بها أن نستعمق من طريق السياسة إلى النظر في مشكلات الحاضر نظرا يكشف لنا عن حقيقة ما يكمن وراء تلك المشكلات من الحق البين، ولن يولد فينا تلك الكفاءة التي يتيسر لنا من طريقها أن نحدس عن المستقبل، لهذا نرجع إلى النظر فيما يمكن أن يفيدنا التاريخ كذوات حية عاقلة تتناوب من حولها دورات الليل والنهار مشحونة بشيء من المفاجآت وضروب الحوادث.
إن للحياة في نظر الأحياء العاقلة قيمة توزن عادة بموازين تختلف باختلاف النظر في حقيقة الحياة وما يجب أن تتجه فيه من السبل المشعبة، لهذا تجد أن كل من نظر في الفلسفة قد وضع للحياة قاعدة يعتقد بحق أو بغير حق أنها الغاية من الحياة، فقال كارليل: إن اختيار المثل التي تجري عليها الرغبات في هذه الحياة هي أعظم خطوة يخطوها الإنسان في حياته. وقال ماتيو أرنولد: إن الأخلاق ثلاثة أرباع ما في الحياة من قيمة. وقال جوته: إن الحياة هي العمل لا التأمل. ولا مشاحة مطلقا في أن الفلسفة لن تصل إلى أرقى مما وضع هؤلاء، فإن سبيل كل منهم لكاف وحده إن اتبعه الناس لإرشاد الإنسانية، فهل يمكن للتاريخ أن يزودنا بكفاية نستطيع من طريقها أن نصل بالإنسانية إلى ما يرغب فيه الفيلسوف من النتائج؟
إذا بحثنا التاريخ بحث نقد واستقلال في الفكر، نجد أنه إن استطاع أن ينبه كامن العواطف والانفعالات فإنه قد عجز دائما عن أن يوجه التصور إلى الناحية التي يختار فيها المثل التي يمكن أن يجري عليها الإنسان في الحياة آمنا أو أن يوازن بين مجموعة صور الأخلاق ليتخذ منها الأصلح ليتبعه الإنسان، كما أنه قد عجز عن توجيه الفكر نحو البحث وراء أمثل الأعمال التي يمكن أن يتخذها الإنسان في الحياة سببا.
لن نستطيع أن ننكر أن التاريخ يعطينا من مثل العظماء الذين وقفوا حياتهم في سبيل خير الإنسانية، قوة نستقوي بها على ما في طبائعنا وأخلاقنا من نقص، وأن نقوم بها اعوجاج النفس ومرض الضمائر. غير أن الماضي ليس برمته رواية متصلة من أولئك النوابغ العظماء الذين سعوا إلى خير الإنسانية! ليس برمته مسرحا لضروب الشجاعة والبطولة! فإن المثل التي ينقلها لنا التاريخ عن الماضي قد تكون أحيانا أرقى المثل وأفعلها في تقويم الأخلاق وقد تكون أحيانا مثلا ساقطة مسفة، والتاريخ يضطر في كثير من الأحيان أن لا يعكف على مثل الفضيلة وحدها، بل غالب ما يصور لمخيلاتنا كثيرا من صور القوة القاهرة والاستبداد المفجع. والنتيجة أن إعجاب الناس ينقسم دائما بين حب القوة وحب الفضيلة، وكثيرا ما ينزع الناس إلى الإعجاب بالقوة دون الإعجاب بالفضائل، لطبع مؤصل في تضاعيف فطرتهم.
فإذا كان عجز التاريخ عن توجيه تصوراتنا إلى اختيار المثل على ما رأيت، فالأولى أن يكون عجزه عن إرشادنا في الحاضر أو المستقبل أبلغ وأعمق، وأنه لن يرسل إلينا من الماضي خيوطا مضيئة شفافة تكشف لنا عن الحاضر وتميط لنا الحجب عن المستقبل، بل إن ما يرسل من خيوط النور لترى كليلة واهنة، متخالطة مضللة.
كذلك نستطيع أن نقول بحق: إن التاريخ لن يرشدنا في مجال العمل. فإذا أخذنا الحياة على أنها العمل، وليست سلب الزخرف ولا جدب التأمل، فمن أية ناحية يمكن لحوادث الأزمان القديمة، أو لصور البطولة التي تظهر في الأزمان الحديثة على صفحات التاريخ، ولو كانت فاضلة بحق؛ أن تفعل الوجداني؟ أنا الكائن المفكر الذي تحيط به مجموعة من المشكلات والمسائل مختلفة تمام الاختلاف عما أحاط بهم، تلك المشكلات التي هي بحكم تطور الأزمان وتباين الظروف لا بد من أن تكون بلا مثيل لها في التاريخ. (3) التاريخ من الوجهة الفلسفية
1
تكلمنا من قبل في التاريخ باعتباره تدوينا ورواية للحقائق، غير أن قليلا من التأمل يجعلنا نعتقد بأن التاريخ شيء أكثر من مجرد التدوين والرواية، فإن فيما كتب كثير من المؤرخين أمثال غيبون وماكولي وهيوم وجروت وكارليل كثيرا من التأملات الفلسفية تتعارض في خيوط الشبكة التاريخية التي تحاك عادة من حوادث تروى ووقائع تقص وتدون، وتكون مهمة المؤرخ في هذه الحالة محصورة في أن يقع على البواعث والأسباب والقواسر التي يستطيع بها أن يعلل حقائق التاريخ التي يتكلم فيها، بحيث يخرج منها بصورة فيها ألفة واتساق. فإذا شعرنا بأن البواعث والأسباب التي يعينها المؤرخ ليعلل بها الحوادث قد استمدت من طبيعة الحالات التي قامت في العصر الذي يؤرخ فيه، ومن أخلاق الناس الذين يكونون بأعمالهم وقائع ذلك العصر؛ فإذ ذاك نقول بأن المؤرخ قد نجح في تزويدنا بصورة حقيقية عن العصر الذي يدون حوادثه، وإذا أخفق في الأولى أخفق بالضرورة في الثانية. أو بعبارة أخرى: إن الأسباب التي تعين لتعليل الحوادث إذا لم تكن ثابتة الأثر في الماضي ثبوت أثرها في الحاضر، أي إنها تؤدي في الحاضر إلى ذات الحوادث التي أدت إليها في الماضي؛ فإننا نشك دائما في حقيقة التعليل التاريخي، فقد عمد العلامة غيبون في أحد فصول تاريخه المعروف إلى إحصاء الأسباب التي رآها أعمق أثرا من غيرها في نشر المسيحية في القرون الأولى، فإذا أردنا أن نقيس مقدار ما في تعليلات غيبون من قوة وثبات، عمدنا إلى التساؤل عما إذا كانت مثل الأسباب التي ذكرها يمكن أن تحدث الآن (في الحاضر) نفس النتائج التي عزاها إليها غيبون في الماضي؟ ولا جرم يكون قبولنا أو رفضنا لتعليلاته راجعا إلى حكمنا الناتج عن هذا السؤال.
على هذا نرى أن التاريخ بدلا من أن يعلل لنا «الحاضر» يستمد كل ما فيه من قوة البيان والتعليل من الحاضر نفسه، أو بعبارة أخرى نقول: إن التاريخ بدلا من أن يكون المنارة التي تبعث بالضياء الذي ينير لنا سبل «الحاضر» وتعلل لنا أسبابه وتبين لنا عن نتائج ما يقع فيه، نجد أن «الحاضر» هو بذاته تلك المنارة، وأن التاريخ ليس أكثر من أمثال تضرب وتعليقات تروى. ولقد جهل كثير من المؤرخين هذا المبدأ التفسيري وعموا عنه، فكان ذلك سببا في أخطاء وقعوا فيها وأغلاط تردوا في حمأتها، ولو أنهم فطنوا له لكانوا من أكبر مؤرخي العصور الحديثة.
غير أن لنا أن نتساءل: كيف يمكننا أن نفسر الماضي بالنظر في الحاضر، إذا لم يكن لدينا من النظامات الحاضرة ما يناظر نظامات العصور الماضية، فليس في أوروبا اليوم وكثير من بقاع الشرق أرقاء مستعبدون؟ فكيف يمكننا أن نفقه حال الجماعة التي شاع فيها استخدام الأرقاء وكانوا عنصرا أوليا من عناصرها المكونة لها، ما دمنا لا نقع في أطراف الدنيا المتمدينة على مثل لهذه الصورة الاجتماعية؟ أما الحوادث فتنحصر في «قتاس النظائر»، أي بالنظر في ماهية العلاقة التي قامت بين السيد والعبد، فبين السيد المخدوم في عصور المدنية الحديثة وبين الخادم تقوم ذات العلاقة التي قامت بين الرقيق وبين المسترق في عصور الحكم الإقطاعي. فإذا استطعنا مثلا أن نحقق طبيعة هذه العلاقات وتفاصيلها، وتطرقنا بعض الشيء في إحكام الصلة بين سيد آمر مطاع وخادم مأمور مجبور على أن يطيع، ثم أمعنا بعد ذلك في إحكام هذه العلاقة ليكون أساسها سلطة مطلقة ينعم بها سيد وخضوع مطلق يلزم به عبد، كما كان شأن الأسياد مع عبيدهم في العصور الأولى؛ استطعنا أن نعثر في «الحاضر» على الحل التاريخي الذي يفسر لنا الماضي.
अज्ञात पृष्ठ