आधुनिक नगरीकरण की समस्याएं
معضلات المدنية الحديثة
शैलियों
كم من القواد والملوك في العصور القديمة استطاعوا أن يحافظوا على سعادتهم وهنائهم بالإقلاع عن الانغماس في الشهوات التي قصرت أعمارهم وذهبت بجاه أسرهم في جيل واحد أو جيلين؟ أليس التاريخ القديم خير مرآة يرى فيها الإنسان صور الإفراط والإسراف بلا نظر إلى العواقب والتطوح مع ملذات الساعة من غير تفكير فيما سوف يعقبها من خسائر المستقبل؟ قارن هذا بما تجده في الأوساط العليا في العصر الحاضر من أناة وصبر وهدى، وما تقع عليه في السياسي أو المالي الحديث من صفات الشجاعة وضبط النفس والقدرة على كبح شهواتها. وإنه لمن العبث أن أذهب إلى أبعد من هذا في ضرب الأمثال.
ولكن أرجع هنيهة إلى صفة ضبط النفس في مظهرها الاجتماعي، فإنها صفة قد مهدت للجماعات سبيل التعاون في التجارة والسياسة، إن النجاح الذي صادفته هذه الجماعات التعاونية واستمرارها رغم العوائق لأقوى دليل على أن هذه الصفة الأدبية قد استقوت على غيرها من الصفات الدنيا في نفوس الذين يشتركون فيها ويعملون على إنجاحها بكل طريق ممكن، في حين أن التاريخ القديم يرينا كثيرا من الأمثال التي تدلنا إلى أية درجة بلغت كفاءة القدماء في القدرة على الخضوع للنظام. وكذلك إذا قارنت ضخامة الجماعات التعاونية في العصر الحديث واتساع أعمالها بضئولة أمثالها في الأعصر القديمة وفساد نظامها وارتباك حياتها الداخلية؛ أدركت مقدار ما حصل عليه الإنسان أخيرا في ارتقائه في هذه الصفة الأدبية، اقرأ تاريخ الأمم الصغيرة التي عاشت في بلاد اليونان وتأمل قليلا كيف أن قصر نظرهم وأنانيتهم وغرورهم والظلم والقسوة؛ قد حالت بينهم وبين التعاون في العمل، أو دكت إلى الحضيض نظم الجماعات التي حاولت أن تتعاون، ثم انظر كيف أن الرومان وهم أدنى في القوة العاقلة من اليونان مكانة قد سادوا عليهم؛ لأنهم كانوا أكثر قدرة على الخضوع للنظامات الاجتماعية.
ولا شك في أنه مستطاع الباحث أن نمضي في ذكر الأمثال من غير أن نصل إلى نهاية، غير أن ما أتيت عليه هنا كاف للدلالة على أن الإنسان قد ارتقى وتهذب أدبيا واجتماعيا، ولو عجز عن أن يرينا أمثالا تثبت لنا أن العقل البشري قد ارتقى أي ارتقاء منذ بداية التاريخ. •••
إن هذا أقصى ما ينتظر أن يحدثه النشوء والتطور على القواعد الدارونية من آثار، فإن خمسة آلاف من الأعوام، وبدايتها هي أبعد العصور التي يمكن أن نرجع إليها في مثل هذا البحث؛ عهد قصير جهد القصر، إذا قيس بما هو معروف من قدم العصور التي مضى فيها التطور مغيرا من صفات الأحياء، ولا يمكن أن يكون كافيا لأن يحدث التطور خلاله أي أثر في نشوء الإنسان نشوءا عضويا. كذلك قوى الإنسان العقلية التي هي في الواقع قائمة على تكوينه العضوي، لا بد من أن تتبع طريقا من النشوء تدريجيا بطيئا، فإن الإخصائيين قلما يستطيعون أن يفرقوا بين جمجمة حصان منقرض عاش في العصر البليستوسيني وبين جمجمة أخلافه في هذا العصر الجيولوجي الذي يبلغ على قول البعض 100000 من السنين، وعلى قول الثقات في العصر الحاضر مليونا أو أكثر، فإن من الظاهر أن أثر التطور الذي وقع في السلالات البشرية خلال خمسة آلاف من الأعوام يجب أن يكون ضئيلا غير محسوس. ولا ريب في أن هذه القاعدة تصدق على أية سلالة من الحيوانات اللبونة التي يكون لدينا من تاريخها التطوري أصدق البقايا والآثار. وعلى هذا القياس لا تنتظر مطلقا أن تقع على أي ارتقاء عضوي في تكوين الإنسان أو في قواه العقلية خلال زمان التاريخ، بل على الضد من ذلك إذا استبنا أي أثر ظاهر للارتقاء في عقل الإنسان أو تكوينه العضوي، عددنا هذا الارتقاء شيئا شاذا خارجا عن القياس، بل يتطلب منا البحث والتعليل.
وفضلا عن هذا فإن الصفات الأدبية يمكن أن ننظر فيها نظرة الاعتقاد بأنها تشارك العادات الثابتة والغرائز في نشأتها، وأنها ليست مستمدة استمدادا مباشرا من خصائص العقل الطبيعية الراجعة إلى تكوين القوى العاقلة، وأنها كغيرها من العادات والغرائز أسرع قبولا للتهذيب من تراكيب الطبيعة وغيرها من الصفات التي تتبعها.
ومن المعروف أن الانتخاب الطبيعي يعمد دائما إلى الاحتفاظ بالتغيرات التي تكون بطبيعتها أفيد للفرد أو للسلالة، ويجمعها في نسب خاصة بحيث يكون من المستطاع أن تمضي في سبيل التهذيب والارتقاء. ولا مراء في أن صفات الإنسان الأدبية التي ظلت خلال قرون مديدة ذات فائدة في تكوينه اجتماعيا، لا تقل فائدة عن التفوق العقلي أو البدني في تكوينه فرديا، وحيث إنها أسرع قبولا للتطور كان ارتقاء الإنسان من ناحيتها أبين وأظهر. وإني كعالم بالآثار المستحجرة لا أستطيع أن أنظر في التاريخ الإنسانى نظرة مستقلة عن الاعتقاد بأنه عبارة عن مجموع ما أحدثه الانتخاب الطبيعي من آثار في السلالات لا في الأفراد، فنتج عن ذلك تطور اجتماعي لا تطور فردي. وهذا النهج الذي جرى عليه النشوء الاجتماعي بما كان فيه من التغير السريع، والذي أدى إلى ما نرى من مدهشات النظام والتجانس؛ كان وقفا على النوع البشري وحده. على أنه غالب ما يتخذ الباحثون من عالم الحيوان أمثالا ينقضون بها أصل النشوء الاجتماعي في الإنسان، أما استقصاء آثار هذا التطور في سلالات منقرضة فمتعذر بعيد المنال، لهذا يعتمد الباحثون على جماعات الحيوان العائشة اليوم ليستخلصوا من حالاتها ملابسات يستدلون بها على تطور العادات فيها، ومن المشاهدات والمقارنات التي أجراها الباحثون في جماعات الحيوان الحديثة يمكننا أن نحصل على عدة نتائج في مدى التطور الاجتماعي ومتجهه، ومن ثم نطبقها على مستقبل النوع البشري:
أولا:
إن الميل الظاهر إلى التناسق الارتقائي مقرون بثبات في المثل والعادات، فإننا قد نلاحظ في أول مدارج الارتقاء الاجتماعي مقدارا عظيما من الليونة والنشاط الفردي وتنوعا كثيرا في أعمال الأفراد تحت تأثير حالات مخصوصة. أما في الجماعات الراقية فإن الأفراد تظهر كأنها تفكر وتعمل وتشعر على نمط واحد، وأنها تقوم بواجباتها على نهج من التناسق الآلي، وهذا أول درجات التعاون.
ثانيا:
إننا بالرغم من عثورنا على أوجه من الارتقاء الكبير في العلاقات الاجتماعية بين الحيوانات، وعلى الأخص الحشرات؛ فإن تشابك حلقات الحياة الاجتماعية تظهر محدودة من أوجه عديدة تبعا لنسبة ذكاء الأفراد، فإنك لا تجد بين الأنواع العليا في عالم الحيوان سلالة قد بلغت من ارتقاء حياتها الاجتماعية مبلغ ما وصلت إليه الحشرات الاجتماعية من دقة النظام والتناسق، لا تجد مثلا أنها وصلت في تضحية الفرد لصالح الجماعة إلى الحد الذي وصلت إليه الحشرات، في حين أنك تجد أن تشابك حلقات الحياة الاجتماعية بين الحيوانات العليا أرقى منها بين الدنيا، وتجد أن هذا التشابك قد بلغ في الجماعات الإنسانية أقصى المدى.
अज्ञात पृष्ठ