आधुनिक नगरीकरण की समस्याएं
معضلات المدنية الحديثة
शैलियों
الكائن الاجتماعي اصطلاح وضعه العلامة «هربرت سبنسر»، ليثبت أن للجماعة حياة خاصة تشابه حياة الفرد. ولقد طبق نظريته هذه تطبيقا بديعا مقارنا بين تكوين الفرد وتكوين الجماعة مقارنة لا تخلق في نفسك من ريبة في صحة نظريته إذا ما درست فكرته بما تستحق من عناية.
غير أنه في جماع ما كتب في الكائن الاجتماعي قد غفل عن أمر لا يجعل المقارنة بين الفرد والجماعة تامة من كل الوجوه، بل إن شئت فقل إنه يجعل المقارنة بينهما مبدأ من مبادئ النقص في الأبحاث الاجتماعية؛ لأنك إن مضيت في أبحاثك في الجماعات منتحيا منحى سبنسر، معتقدا أن بين الفرد والجماعة أوجها تامة من التشابه يمكن أن يقاس ما في أحدهما بما في الآخر، زلت بك القدم في مفارقات بعيدة جهد البعد عن الحق الثابت. ذلك الأمر الذي أغفله الفيلسوف سبنسر قد ظفر به الأستاذ العلامة الدكتور أوستن فريمان في مؤلفه القيم، وما وصل إليه إلا مستعينا بما بثق البحث من أنوار علوم الحياة.
يمضي الدكتور فريمان في كل أبحاثه مقتنعا بأن بين الفرد والجماعة فرقا كبيرا لا تسده المباحث النظرية مهما أوتيت من قوة البرهان ومتانة الدليل، وينحصر هذا الفرق عنده في أن الفرد إنما هو كل عويص التركيب، مكون من وحدات بسيطة، في حين أن الكائن الاجتماعي إنما هو كل بسيط مكون من وحدات عويصة التركيب، هذه القضية لا يظهرك على حقيقتها مثل تأملك من مبادئ أولية تلقيها في روعك مباحث البيولوجيا، لهذا نمضي بك من طريق دكتور فريمان في شوط تقف إذا ما بلغت نهايته على حقيقة ما يريد أن يثبت بقوله هذا، ولنخلص من بعد ذلك بنتيجة ذات أثر بالغ في الحالات الاجتماعية القائمة من حولنا.
تتكون كل الأجسام الحية من خلايا في كل منها قدرة على التكاثر من طريق الانقسام، هذه الخلايا الحية هي وحدات الأجسام التي تتصف بصفة الحياة، وكذلك الإنسان، فإنه إنما يتكون من خلايا حية منها يتركب كل ما فيه من الأعضاء والعظام والشرايين والأنسجة والأغشية إلى غير ذلك، هذه الوحدات بسيطة التركيب يمكن إعادة تركيبها ثانية إذا حللت في معمل كيماوي كما قال العلامة وولاس زميل داروين وشريكه في وضع نظرية الانتخاب الطبيعي، غير أن هذه الوحدات البسيطة إذا تركب منها إنسان أصبح كلا عويص التركيب متخالط التكوين، وكفى على عويص تركيبه دليلا أن تفكر قليلا في انفعالاته وتفكيراته وخطراته ونزعات نفسه وتوثب روحه وفيض عقله وامتداده بالفكر إلى ما وراء العالم المنظور وتغلغله إلى أعماق العالم المجهول من الفلسفة.
يريد سبنسر أن يقارن بين هذا الكل الفردي العويص التركيب وبين الكائن الاجتماعي على بساطة تكوينه، فإن الجماعة تضارع من حيث بساطة التركيب تلك الخلية الحية التي يتكون منها الجسم الحي، في حين أن كل وحدة من وحدات ذلك الكائن هي بذاتها ذلك الكل العويص التركيب الذي تكونه الخلايا الحية الأولى. وعلى هذا يعتقد دكتور فريمان أن الكائن الاجتماعي من أحط صور الكائنات الحية تكوينا وأبسطها تركيبا، إذ إنك لا تجد بين وحداته المكونة له من الترابط ما تجد بين الخلايا التي تكون أدنى الأجسام الحية في الطبيعة. •••
من قبل أن يدلي الدكتور فريمان بنظريته الثابتة في الكائن الاجتماعي، مضى الناس في المقارنة بين ذلك الكائن المفروض وبين الفرد على تلك الطريقة التي ابتدعها يراع العلامة سبنسر في كتابه «مبادئ علم النظام الاجتماعي»، قانعين بأن العمل على إصلاح الجماعة ككائن مترابط الأجزاء من شأنه أنه يؤدي إلى إصلاح حالة الأفراد، غير ذاكرين أن بين الكائن الاجتماعي والفرد فرقا لا يجعلهما يلتقيان في منهج من مناهج الارتقاء والنشوء، إلا إذا بدأ الإصلاح بذلك الكل العويص التركيب، أي الفرد؛ ليصلح من طريق إصلاحه الكل البسيط التكوين، أي الكائن الاجتماعي، هنا انقلبت آية النظر في طرق الإصلاح الاجتماعي من طريق انقلاب الفكرة في المباحث الاجتماعية، وعلى هذا مضى الدكتور فريمان في كتابه موقنا بأن إصلاح الجماعة بغير إصلاح الفرد أمر مستحيل نظريا وعمليا، وأن الفرد على ما فيه من عويص التركيب وما فيه من غريب الخصائص إن امتصته الجماعات امتصاصا تاما، وهي على ما رأيت من بساطة التركيب وانحطاط الخصائص الحيوية، بحيث تقضي على كل مؤهلاته كفرد تام الاستقلال من حيث تمتعه بكل مزاياه ومواهبه التي وهبته الطبيعة؛ فإن هذا لا يزيده إلا تطوحا في حالات العجز والفساد، ولا يعود عليه إلا بنقص في الخصائص وضعف في المواهب والكفايات لا يجني ثمارها إلا الجماعات.
وبعد أن فرغ الدكتور أوستن فريمان من نقد نظامات المدنية الحديثة، وإظهارها بمظهر الإسفاف والسقوط والفساد، مستندا إلى براهين وأدلة فيها كثير من بواعث الروعة والجلال، على ما تضمنته من استنتاجات قيمة واستقراءات تزكيها الحوادث والمشاهدات؛ هيأ عدته وجمع ما حبته به الطبيعة من قوة الابتكار، لينحي بجماعها على الآلات الميكانيكية وأثرها في المدنية الحديثة.
يقول: إن الإنتاج الميكانيكي عنصر مستقل محكوم بقوانينه الخاصة به، وليس له من علاقة ضرورية بحاجات الإنسان أو بسعادته، وإن ارتقاء الآلات الميكانيكية ينزع دائما وفي كل آن إلى زيادة استخدام الحركة غير الإرادية «الأوتوماتيك». أما اضمحلال العمال وإفسادهم أدبيا ومعنويا وطبيعيا، فنتيجة من أجلها تدور الآلات، وقصد من أجله تجري على سننها المعروفة في علم الآلة «الميكانيكا »، وأن ليس لهذا الأمر من غاية إلا أن يخرج الإنسان من مجاله الذي هيأته له الطبيعة، ومن ميدان نشاطه الذي لا ملجأ له غيره.
أما الاستبداد الذي احتكرت به الآلات هذه الأرض، فقد غير وجه البقعة التي نسكنها، وأرخى عليها سدولا من الشقاء، وناء عليها بضروب من الفقر والخصاصة، كما غشاها بمسحة من الحزن والانقباض تراها مسطورة على أوجه الناس، وتلحظها بادية على ملامحهم كما أوغلت في البقاع الصناعية، وتلفيها أكثر انطباعا على الوجوه وأكثر التزاما للأنفس، إذا أنت جرتك خطاك إلى المراكز العظمى التي تعتمد في المدنية الحديثة على الإنتاج الميكانيكي.
كانت المدنية في العصر الأول، وعلى الأخص في القرون الوسطى، رقعة من حسن الذوق وسلامة الاختيار وجمال الشكل، تزيد في طبيعة الأرض جمالا، وتضاعف ما في منظرها من بديع الصنعة وباهر الاتساق، على العكس من مدنية العصر الحاضر، فإنها ليست إلا خلية من البيوت حشدت فيها الأنفس حشدا، وجمع فيها الناس لا ليعيشوا في هدأة الطبيعة كما تقتضي حاجتهم، بل كما تقتضي حاجة الجو المصطنع الحاف بهم، ولا ليمتعوا بما في الطبيعة من نعم ولذائذ، بل ليزيدوا من مصائب الإنسانية ويضاعفوا من كوارث الحياة. وكذلك الحال إذا نظرت في ماخرات العباب، فإن السفينة الشراعية القديمة لقطعة حية من الفن يتمثل فيها جمال الشكل وبساطة التركيب، أما بواخر العصر الحاضر فكتلة من المادة غير متناسقة الوضع وليس فيها من شيء إلا أنها بقوتها وعظمتها وضخامتها إنما تمثل نزعة العصر الحديث في العمل على حيازة القوة الوحشية بكل طريق مستطاع.
अज्ञात पृष्ठ