मुआविया बिन अबू सुफ़यान

अब्बास महमूद अल-अक्काद d. 1383 AH
64

मुआविया बिन अबू सुफ़यान

معاوية بن أبي سفيان

शैलियों

تلك الظاهرة من مورثات طبيعة المطاردة في الإنسان وفي الحيوان أو السبع من قبله ... فقد علم المراقبون لطبائع الحيوان أن المطاردة عنده تقوم على حركات متتابعة، ولا تقوم على حركة واحدة، فإذا لمح الحيوان من خصمه أنه يجفل منه أخذ في الهجوم، وإذا عدا خصمه أمامه أخذ في العدو وراءه، وإذا أدركه ولم يجد منه مقاومة تمادى في صرعه وافتراسه، ولعله لو وقف أمامه رابط الجأش من مبدأ الأمر لم تتنبه فيه حركة الهجوم، فحركة المطاردة، فحركة اللحاق والافتراس، وعرف صادة الأسود - وهي أخطر السباع - أنها تتردد إذا واجهها الإنسان ثابت النظر، راسخ القدمين. •••

وقد دخل حجر على معاوية، ومعاوية ينتظر منه صدمة يتبعها حذر فانتباه لواجب الحلم والأناة، فلما دخل حجر محييا له بالإمارة وزال الحاجز الأول؛ زالت معه الحواجز الأخريات، ولم يعلم الرجل أين يكون الوقوف ...

ونظن أن هذه الخليقة قد أوشكت أن تبرز في طوية معاوية من وعيه الباطن إلى وعيه الظاهر، ومن ذاك قوله: «إذا شد الناس شعرة أرخيتها، وإذا أرخوها شددتها.» أو قوله: «إذا طرتم وقعنا، وإذا وقعتم طرنا.» أو قوله لزياد: «كن أنت للشدة ولأكن أنا للين.»

فهو يتلقى وحي طبيعته من الصدمة التي تلقاه، فإن لم تكن صدمة فهناك الحيرة التي لا تخرجه منها طبيعة تلوذ بالغضب على قدرة، فلا تقف حيث ينبغي لها الوقوف، ولو كان للغضب عنده أثره المطبوع لانتظر الناس حلمه حيث يغضبون، وانتظروا غضبه حيث يحلمون، وكثير من أمثال هذه الخليقة تلقاه بيننا كل يوم، فيقول القائل عن الرجل من أصحابها لو أنك شددت عليه لأرضاك وحمدت أثر الشدة عليه!

ويستدعينا ختام هذا الفصل تفرقة أخرى كالتفرقة بين الحلم وامتناع الغضب، وهي التفرقة بين الطموح إلى الزعامة والصولة، والطموح إلى الشرف الاجتماعي والوجاهة السياسية.

فالطموح إلى الزعامة والصولة مزاج حيوي يدخل في تركيب البنية، ويدفع صاحبه كما تدفعه وظائف الجسد، فلا يستريح أو يقود الأمم قيادة الزعامة، ويصول بعظمة الرئاسة والعلو على الأقران والأتباع.

والطموح إلى الشرف الاجتماعي تقليد من تقاليد المجتمع يحرص عليه من توارثوه حرصهم على الحطام، وبسطة العيش ووجاهة الأسرة والبيت، ويغلب عليه أن يكون تراثا متخلفا من الآباء للأبناء يغض من الأبناء أن يتخلوا عنه، ويروا غيرهم في مكانه.

ولا يلزم من الطموح إلى الشرف الاجتماعي أن يكون صاحبه مطبوعا على الصولة والعلو، وطلب الطاعة والخضوع، وقد يلجأ صاحبه إلى المداورة واللين والخضوع لهذا والمصانعة لذاك؛ ليحتفظ بالتراث الذي صار إليه أو يرجو أن يصير إليه. •••

ونحن في قرانا نشهد المثال على كل من النموذجين في كل قرية وكل إقليم، فبينا يستميت «بيت العمدة» في استبقاء وجاهته، ويلين من أجل ذلك للحاكم وصاحب الأمر وأعوانه على المكانة الموروثة، ينهض رجل آخر مطبوع على الأنفة والصولة، فيستطيل على تلك المكانة، وينازع في تلك الوجاهة، ولا يستريح إلا إذا أمر وتحدى وملك زمام العزة بالمقال والفعال ...

وبنو أمية عامة، ومعاوية خاصة من أصحاب «المظهر الاجتماعي»، وليس فيهم غير القليل النادر من أصحاب الطموح إلى الزعامة والصولة، كما تكون في بنية المزاج وتركيب الخلق والجسد، وقد صبر معاوية على ألوان من الخضوع في طلب وجاهته السياسية لا يصبر عليها كثير من عامة الناس؛ لأنه يطلب تلك الوجاهة بتقليد وراثي، ولا يطلبها بنزعة غلابة في الطبيعة والتكوين.

अज्ञात पृष्ठ