البترول هو الملك غير المتوج في معادن الصحراء الغربية، وإن كان إنتاجه وإنتاج الغاز الطبيعي هو أقل بكثير من إنتاج خليج السويس - خليج النفط المصري. ذلك أنه سلعة لها سوقها العالمية والداخلية والشركات القائمة بالتنقيب عنه شركات ضخمة مصرية ومتعدية الجنسية. فلا غرو أنه يتصدر قائمة الموارد التعدينية في الصحراء الغربية - بل وفي كل مصر، وحتى الآن فالبترول والغاز ينتجان من شمال الصحراء الغربية. وفي شرق وسط الصحراء الغربية يعدن الحديد في شمال الواحات البحرية، ويستخدم كمورد أساسي لصناعة الحديد والصلب المصرية. وأخيرا فإن فوسفات هضبة أبو طرطور بين الواحتين الخارجة والداخلة ما زال في مراحل أولية في الإنتاج. كان القصد تصدير الكميات الكبيرة من هذا الفوسفات عبر ميناء سفاجا على البحر الأحمر. ومدت إليه سكة حديد مكلفة. لكن سوق الفوسفات العالمي فيما يبدو أصبح متخما، وأصبح من الواجب إيجاد بدائل لاستخدام هذه الخامة على وجه يعوض ما أنفق عليها من طائل الأموال.
ومما لا شك فيه أن عمليات التنقيب والتعدين تغير البيئة المحيطة بالمناجم والحقول البترولية بما تقيمه من منشآت ومساكن ومخازن وصهاريج وطرق. لكنها تغييرات في مساحات محدودة وتلزم التضحية لما لها من فوائد على الاقتصاد والمجتمع معا.
الشمس والهواء
أكبر الطاقات الطبيعية في الصحاري هما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ونحن قد دخلنا عصر هذه الطاقات متأخرا ومتباطئا. تفكيرنا غالبا أحادي النظرة. فلفترة ثلث قرن أو تزيد كانت أفكارنا للطاقة مرتبطة بإنتاج الكهرباء من محطات مائية كالسد العالي، أو حرارية - بترول وغاز، وهي الأكثر انتشارا، ودخلت الكهرباء غالب القرى المصرية والسواحل والواحات. ودخلنا عصر الشبكات الكهربائية الموحدة الدولية. وهذه هي أعمال متميزة، لكنها نهاية المطاف بالنسبة للكهرباء بصورتها الحالية التي تستوعب لإنتاجها كميات ضخمة من إنتاج الغاز الطبيعي المحلي.
والآن هناك مشروعات لإنتاج الكهرباء من حقول ضخمة من مراوح الرياح على البحر الأحمر - زعفرانة والغردقة، فمتى يأتي دور الصحراء الغربية في إنتاج الطاقة الكهربائية من مقومها الأساسي وهو الشمس والرياح. الجميع يعرف ساعات سطوع الشمس في الواحات وكم هي كثيفة وكم هي تحتاج إلى فكر ابتكاري لتوليد الطاقة المرغوبة على نطاق واسع. والكل يعرف أيضا قدر الرياح الدائمة في الصحاري. صحيح أنها متغيرة الاتجاه في حدود معروفة وتحتاج إلى مراوح متزامنة مع تغير اتجاه الريح لضمان طاقة مستمرة. وعلم كل هذا عند المختصين في علوم الطاقة وفيزيائها. فمتى يتسع صدر المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة للخروج من القوالب المنتجة حاليا إلى تشجيع ميادين الابتكار والتطبيق؟ (2-5) السياحة والصحراء الغربية
الشمس والهواء من مكونات السياحة العالمية. وإذا كان البحر الأحمر يزهو بشواطئ المرجان وسباحة الغطس والشمس، فإن الصحراء الغربية تزهو بمكونات أخرى تجعلها قبلة لنوع آخر من السياح. فكرة الواحة الكلاسيكية: غدير ونخيل وظلال وثمار تتباعد وسط قفر ورمال مئات الكيلومترات عن بعضها البعض. هذه هي حقيقة موجودة وكامنة في الصحراء الغربية، هناك سيوة الأسطورية والفرافرة في ظل هضبة القس أبو سعيد وأبو منقار جيب في جوف الرمل والصخر وقصر الداخلة يترك الخيال يسرح في جنبات حياة القرون الفائتة، وما إلى ذلك الكثير الذي يعبر بالسائح الأوروبي الزمن سراعا إلى ماض مسحور!
وفي الصحراء البيضاء - شمال شرقي الفرافرة، ومواضع أخرى نحتت الطبيعة مئات الأشكال من الصخر الطباشيري تترك للمشاهد العنان كي يتصور هذا النحت البارع جملا أو أسدا أو وجها يطل من علياء، وفي الينابيع ذات المياه الباطنية الساخنة يسبح السائح أو يترك جسمه تتخلله هذه المياه المعدنية الدافئة فتصحح ما يشعر به من آلام الحضارة الحديثة.
وفي عين دالة - أو ضالة - شمال هضبة القس، أو جنوب واحة أبو منقار، يقف المرتحل على حافة بحر الرمال الأعظم: مئات من الكثبان الطولية الثابتة تمتد كأجسام الحيتان الواحد خلف الآخر مئات الكيلومترات إلى داخل ليبيا، فيشعر بضآلته كأنه وظله نقطة سوداء متناهية الصغر في محيط أصفر بني لا ينتهي. (2-6) كوكب المريخ والصحراء الغربية
كل هذه عايشتها رؤية العين وإحساس البدن، ورأيت عشرات الألمان يتنقلون كالمأخوذين في هذا الخضم الحافل بالماضي والجمال والمخاطر. ولكن الذي لم أره - وأتمناه - رحلة إلى هضبة الجلف الكبير في أقصى جنوب مصر عبر نحو 400 كيلومتر من الواحة الداخلة، ونحو مثلها شرق العوينات. ومهما قيل عن استمرار خط خطه الإنسان مثل مسار سيارة، فإنه يظل عشرات السنين لا يعتريه تغيير للجفاف الشديد وسكون الهواء، ومهما قيل عن وديان الجلف الكبير الجافة وعلى رأسها وادي عبد الملك ووادي صورة، فإن أكثر ما يثير هو اهتمام مشروعات الفضاء الأمريكية بتصوير هذه المناطق بكل أساليب التصوير الفضائي والرادار - ليس حبا في بيئة هذه المنطقة، ولكنها في اعتقادهم أكثر الأماكن على سطح الأرض شبها بتضاريس سطح كوكب المريخ!
وقد ساهم العالم المصري فاروق الباز في بعض - أو كل - هذه العمليات، واكتشف مع غيره في معامل الفضاء الأمريكية وجود مسارات مطمورة لشبكة وديان نهرية على أعماق ليست كبيرة من سطح الأرض! هل هي أنهار العصور الجيولوجية القديمة؟ وهل تحتوي بعض مسامها على ماء؟ وأسئلة أخرى كثيرة يريد العلماء قياسها على ما يتشابه معها من سطح المريخ. لا شك أن نتائج هذه الدراسات لها مردود على هذه المنطقة النائية من مصر التي تقع قرب نقطة تلاقي حدود مصر وليبيا والسودان. فما هي النتائج الاستراتيجية المترتبة على ذلك؟
अज्ञात पृष्ठ