191

मिस्र

مصر: نسيج الناس والمكان والزمان

शैलियों

على أي الحالات فإن التفكير في الطاقات المتجددة ينبثق من منطلق مبدئي مختلف الفلسفة والتطبيق عن استخدام الطاقة الحفرية من البترول والغاز والفحم واليورانيوم. فقد تدرب العالم منذ أكثر من قرن ونصف على إنتاج الطاقة من مصادرها الحرارية الحفرية والمائية، وإنشاء شبكات الطاقة عبر أقاليم ودول كثيرة. أصبحت هندسة هذه الإنشاءات واقتصاديات تشغيلها واستهلاكها أمرا يدخل باب الشائع من المعرفة والتطبيق العالمي، وبالتالي أصبح تقليدا واعتيادا إنشاء محطات الطاقة المتداولة؛ لأن لها جاذبية المألوف مع قوة قدرات الشركات الكبرى المنتجة لها في جوانب رأس المال والتكنولوجيا والتخطيط والتنفيذ، من أجل ربحية عالية كما هو معروف عن شركات البترول والغاز.

أما استخدام الطاقات الأخرى المتجددة: الشمس والرياح والحرارة الباطنية والأمواج وقوة المد البحري ... إلخ. فهي غالبا تسد حاجات كثيرة محليا. فأسطح البيوت والعمارات يمكن أن تغطى بالمنتجات التي تمتص أشعة الشمس وتتولد منها طاقة لتسخين مياه البيت والشقق، ومن ثم وفر كبير استخدام سخانات الغاز والكهرباء. كما يمكن إقامتها في الأماكن النائية كالواحات، أو تقام محطة شمسية معقولة الحجم تغطي احتياجات مشروع عمل في الصحاري، سواء كان تعدينا أو زراعة أو صناعة. كما يمكن ربطها بغيرها في صورة شبكة مصغرة في إقليم محدود.

طاقة الرياح يمكن إنتاجها في أي مكان يتميز برياح ذات استمرارية على السواحل وفي الوديان وسطوح المناطق الصحراوية ... إلخ. وعلى وجه خاص يمكن إقامتها في شمال الدلتا، وإنشاء شبكة كهرباء محلية تقوم بإدارة طلمبات صرف المياه الباطنية المتزايدة التي أصبحت تهدد الخصوبة المتوسطة لحقول الشمال بالبوار، وأيضا لما تحتويه من ملوثات الأسمدة الكيماوية، وتحويل هذا الشمال إلى مراع للأبقار، كما كان في زمان مضى، ولكن على نمط علمي في الإنتاج وصناعة منتجات الألبان واللحوم على نحو مشابه لمراعي هولندا والدانمرك، وغيرهما في شمال غرب أوروبا. ونموذج صناعات الألبان والأجبان والجلود والصوف في بعض مدن شمال الدلتا معروف من قديم، كدمياط وفوة ورشيد.

الخلاصة: أن الاهتمام بأشكال الطاقة المتجددة لا ينفي استمرار استخدام البترول والغاز الطبيعي، أو مشروع الطاقة النووية إذا أمكن، أو توليد الطاقة من السدود النهرية. عكس ذلك فإنها قد تساعد على تقليل استخدام البترول والغاز؛ تحسبا لنضوب الأول، وتمكينا لمزيد من الدخل القومي، حيث ترتفع الأسعار في السوق العالمي. والميزة المحققة أن الطاقة المتجددة سوف تساعد على إيجاد نوع من التعادل بين التركيز الحالي لاستخدام الطاقة في الوادي والدلتا، وبين النقص في كثير من المناطق في أعماق مصر وسواحلها. ولا ننسى أن هذه الطاقات سوف تحتاج إلى عمالة دائمة أكثف من الشبكة الموحدة؛ لأنها سوف تنتج في أماكن متفرقة، وبالتالي قد يكون ذلك واحد من فرص تقليل البطالة بتهيئة عمالة فنية متوسطة، وذلك بتقوية وتركيز مناهج مراكز التدريس، والتدريب على هذه الأنواع من الأعمال الجديدة، بدلا من التوجهات الحالية التقليدية في مناهج المدارس الصناعية.

الفصل الثامن

من مشكلاتنا الاجتماعية

(1) التعليم وغرام المركزية (1-1) المركزية والمحليات

منذ عهد سحيق اعتدنا ممارسة السلطة المركزية السياسية والإدارية، ولكن كانت تعتري ذلك الاعتياد فترات تقل فيها المركزية لصالح لا مركزية إدارية ناجحة في معالجة شتى الأمور المحلية. وقد طبقت مصر في العقود الثلاثة الماضية شكلا من أشكال اللامركزية، تحت مسمى الحكم المحلي في الريف، وباسم المجلس الشعبي في أحياء المدن، وفي كلتا الحالتين مفهوم الأداء والوظيفة عائم غير واضح، وقدراته التنفيذية مكبلة بالإدارة الأعلى في المحافظات والأقاليم. كما أن تلك الإدارات في الأقاليم مكبلة هي الأخرى بالإدارات العليا الوزارية في القاهرة.

والخلاصة: أن هناك نوعا من الصراع بين المركزية المفرطة والحكم المحلي. صحيح أن المركزية أنشأت المحليات لأسباب مختلفة، على رأسها محاولة إسناد حكم ديموقراطي في واجهة النظام الحاكم في مصر منذ نحو أربعة عقود. وهو ما يشابه إلى الحد الأعلى إنشاء المركزية لنظام التعددية الحزبية كواجهة براقة لشكل الحكم الديموقراطي في مصر. ولكن في كلتا الحالتين تحجم المركزية نمو المحليات ونمو الأحزاب بطرق متعددة.

فالأحزاب التي تولدت منذ أربعة عقود ضعيفة بدرجة لا مثيل لها؛ لأنها تنشأ وتتخذ الصورة القانونية لوجودها بواسطة موافقة آليات حددها وصاغها النظام المركزي - فإذا لم توافق لا يولد حزب حتى لو كان له عضوية وولاء شعبي فهو لا وجود له قانونا ولا شرعية له. وليت الأمر يقتصر على الموافقة من عدمها، بل إن حياة حزب يرتبط بلا حدود مع التوفيقات المادية والمالية التي تمنحها المركزية للحزب. وبالمثل فإن حياة حزب تتحدد أيضا بإصدار جريدة أو مجلة أو نشرة تعبر عن رأي الحزب فيما يمكن أن نسميه عظائم الأمور، كالإشراف على الانتخابات، وتعديل بنود من الدستور، والامتناع عن مناقشة بنود أخرى؛ لأن المركزية لم تطرحها للتعديل سواء كان هناك نقاش أو جدية نقاش يعبر عن مكنون الرأي لدى حزب أو كتلة أو جماعة ضغط أو مراجل غضب لا تبلغ درجة الفوران!

अज्ञात पृष्ठ