وربما كانت طاقة الرياح أكثر تطبيقا وتقدما بالقياس إلى استخدام الطاقة الشمسية. فمعظم الدول المتقدمة لا تسطع فيها الشمس بالقدر الذي يوجد في العالم العربي، ومن ثم كان تقدم أبحاث طاقة الرياح؛ لهذا تقدمت توربينات المراوح الهوائية المولدة للكهرباء، وتنوعت أحجامها وقوتها. وفي معظم بلاد العالم المتقدم لجان ومجالس متخصصة وهيئات لوضع الخطط اللازمة لتنفيذ محطات إنتاج هذه الطاقة ودراسة تكنولوجيات الإنتاج وتوزيع الكهرباء المنتجة. وفي عام 1999 كان إنتاج العالم من هذه الطاقة يقدر بنحو عشرة آلاف ميجاوات، وكان80٪ منها يولد في أربعة دول متقدمة إضافة إلى الهند، ولم يكن ذلك بالرقم الكبير، فإنتاج مصر حاليا هو نحو 15 ألف ميجاوات من جميع مصادر الطاقة: الغاز والبترول وكهرباء السد العالي. وقد ارتفع الإنتاج العالمي من هذه الطاقة بعد سنتين إلى أكثر من 20000 ميجاوات. وبعبارة أخرى فإن كهرباء طاقة الرياح شهدت نموا غير مسبوق من بين مصادر الطاقة الأخرى. ففي 1989 كان إنتاج ألمانيا 800 ميجاوات، قفز إلى أكثر من عشرة أضعاف في 12 سنة بحيث بلغ 8750 ميجاوات عام 2001. وفي ذات السنين ارتفع كهرباء الرياح في الولايات المتحدة من 150 إلى 4300 ميجاوات، وإسبانيا من 400 إلى 3300 ميجاوات، والدانمرك من 300 إلى 2500 ميجاوات. وتسعى كندا إلى إنشاء محطات لطاقة الرياح سوف تنتج عام 2005 نحو خمس كل الطاقة المستخدمة في ذلك التاريخ. وكذلك تسعى الولايات المتحدة إلى مضاعفة إنتاجها إلى 10000 ميجاوات بإنشاء محطات معظمها في السهول الوسطى. وبلغ عدد المشتركين في الاتحاد الأوروبي في كهرباء طاقة الرياح مليونا ومائتي ألف مشترك عام 2001، ويهدف مخطط دول الاتحاد الأوروبي إلى زيادة الإنتاج إلى 40000 ميجاوات عام 2010، وهي ربما تساوي 12٪ الكهرباء المنتجة من كل المصادر الآن في دول الاتحاد الأوروبي. (3-3) وماذا عن مصر في هذا المضمار؟
تعد مصر المركز الإقليمي لتوزيع المعلومات التي يبثها القمر الأمريكي المناخي «متيو سات»، عن الأحوال المناخية لشمال أفريقيا وجنوب أوروبا. وتحلل نتائج هذا البث إلى معلومات في صورة تنبؤ بحالة الطقس لمدة ثلاثة إلى خمسة أيام مسبقا. وربما ساعد ذلك إلى جانب مجهودات هيئة الأرصاد الجوية المصرية على بدايات استخدام طاقة الرياح في حقول ما زالت محدودة. هناك حقل رأس غارب بطاقة 400 كيلووات، وحقل الزعفرانة بقدرة 80 ميجاوات، بينما يستغل حقل الغردقة في تحلية مياه البحر، وهناك أيضا مشروعات لإقامة خمسة حقول جديدة في مناطق متفرقة. والأغلب إنشاء المحطات قرب الهوامش الساحلية للصحاري وبالقرب من مناطق العمران. وحينما تشيع هذه الاستخدامات فربما يصبح تكلفة الكيلوات من الكهرباء أرخص منه في المحطات الحرارية، وبذلك نوفر قدرا من الغاز لمزيد من التصدير، أو أن نطيل عمر احتياطي الغاز لاستخدامات مستقبلية.
أما الطاقة الشمسية فهي في الحقيقة الرصيد الكبير للطاقة النظيفة المتجددة. وبغض النظر عن الاستخدامات المحدودة للطاقة الشمسية على مستوى البيوت وبعض الفنادق، فإن هناك مشكلات كثيرة لم تحل في تكنولوجية إنتاج الطاقة ونقلها على المنسوب التجاري. وحتى الآن فإن ذلك يحتاج إلى تجهيزات رأسمالية كبيرة لإنتاجها على نطاق توزيعي كبير على غرار البرنامج الضخم الناجح في كاليفورنيا. وهناك برامج بحثية كثيرة في مجال الطاقة الشمسية على رأسها برنامج «ستارت». وتسعى مصر حثيثا في هذا المجال، وهي الدولة العربية الوحيدة المشاركة ضمن 12 دولة أخرى في برامج تطوير التعاون البحثي لتكنولوجية الطاقة الشمسية، وتبادل المعلومات - الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا وفرنسا وسويسرا وإسبانيا ومصر وجنوب أفريقيا والبرازيل والمكسيك وإسرائيل وأستراليا.
ولدى مصر مشروع كبير باسم «نور السلام»، تشارك فيه الولايات المتحدة وغيرها بتكلفة مبدئية قدرها 65 مليون دولار، لتوليد الطاقة الشمسية نهارا ومن الغاز ليلا. ولا شك في أن نجاح تطبيقات الطاقة الشمسية في مصر والبلاد العربية سيكون له مردودات كبيرة في توزيع طاقة ودودة للبيئة، أقل من الطاقة المولدة حراريا الآن في مصر والتي تتوزع مصادرها بنسبة 35٪ بترول، و19٪ غاز، و26٪ توربينات غاز وبترول معا.
وأخيرا فإن في مصر وبعض البلاد العربية طاقة نظيفة مستخدمة منذ نحو نصف قرن هي الطاقة الكهرومائية المتولدة عند السدود والقناطر. وفي مصر محطتان هما: السد العالي 2100 ميجاوات (= نحو 15٪ من مجموع الطاقة المصرية)، وسد أسوان 622 ميجاوات (= نحو 4,3٪)، إضافة إلى مشروع قناطر إسنا قيد التنفيذ.
الخلاصة: أن في مصر خبرات متعددة تطبيقية في مجالات الطاقة المتجددة النظيفة من الماء والرياح والشمس. لكننا في حاجة إلى مزيد من المعلومات بواسطة أقمار متخصصة في المناخ وغيره، من أجل اختيار أصلح الأماكن لإنشاء حقول طاقة الرياح والطاقة الشمسية، بحيث توفر المردود المناسب للإنفاق على المحطات وتطويرها، ولعقد اتفاقات مع أطراف داخلية وخارجية لمزيد من محطات جديدة، وتحديث القائمة بصفة دائمة تبعا لتقدم المعرفة العلمية والتطبيقات التكنولوجية المستجدة دائما. ولا شك في أن اتساع آفاق العمل في هذه الأنواع من الطاقة المتجددة سوف يخلق كوادر فنية عديدة على مستويات مختلفة، هذه الكوادر غالبا ما تمهد المناخ لظهور مهارات الابتكار والتحديث والإبداع. ولكن لا يغيب عن الأذهان أن كل أشكال التقدم هذه في مجالات الطاقة هي وليدة عصر المعلومات. كذلك لا ننسى الكثير من الفوائد سالفة الذكر عن التعرف على أشكال النشاطات البشرية، وفي أي الأماكن وبأي التقنيات يمكن استخدامها للمزيد من التنمية غير المناطحة للظروف البيئية.
ولهذا فإنه لا مناص أمامنا إلا أن ندخل هذا العصر بتهيئة مراكز بحثية جادة بدون بيروقراطية، سواء كان ذلك في صورة وادي التكنولوجيا أو القرية الذكية، وللأهمية القصوى للموضوع نورد بعضا من تفاصيله لعل المعرفة تستحثنا على التفكير والتنفيذ معا، من أجل مستقبلنا وأجيالنا القادمة. (4) مصادر الطاقة الطبيعية المتجددة في مصر منحة وهبة (4-1) ميزانيات البحوث أولا وأخيرا
بمناسبة الدعوة إلى إقامة الطاقة النووية والعمل الدءوب في استكشاف إمكانية تفعيلها، تحسبا لنضوب مصادر الطاقة الحفرية الحالية من بترول وغاز طبيعي في وقت ليس بالطويل، فإني أعرض هنا لموضوع الطاقة المتجددة التي يعرفها المتخصصون في دوائر العلوم والتطبيق المصرية. ليس العرض هنا لأن الموضوع غائب عن الأذهان، بل لزيادة التطرق للموضوع بتخصيص أرصدة وفيرة للبحث والتنمية
R&D ، على كافة المستويات الرسمية والشركات والهيئات الخاصة المهتمة باستخدام هذه المصادر الطبيعية، باعتبارها منحة طبيعية شبه مجانية لكي تشترك مع مصادر الطاقة الحفرية - بما فيها النووية - كمصادر إضافية وتبادلية في الشبكة القومية للطاقة ، وربما في النهاية قد تصبح مصادر أولية لإنتاج الطاقة في المناطق المصرية النائية التي يراد تنميتها.
الطاقة هي مرتكز القوة في تقدم الحضارة الإنسانية. بدأت باستخدام طاقات طبيعية كتيارات المياه الجارية، ومياه البحار كوسيط للطفو للنقل والتنقل بمشاركة طاقة الرياح أو طاقة انحدار الأنهار. وإلى جانبها استخدم الإنسان القديم الطاقة البيولوجية متمثلة في القدرة العضلية لنفسه، وقدرة الحيوان المستأنس في الجر ثم الحمل بعد اختراع البردعة والسرج والهودج ... إلخ، ثم نقل الأحجام الكبيرة بعد اختراع العجلات وبناء المركبات. قوة الماء المندفع كانت أكبر وأوسع وأكثر انتشارا، كطاقة تحرك عجلات الطواحين وتروسها لطحن الغلال، بوصفها المصدر الأساسي للغذاء - الخبز - ثم مع التطوير أصبحت قادرة على تطويع بعض الصناعات المعدنية لأغراض مختلفة.
अज्ञात पृष्ठ