لماذا التركيز على الحاويات؟ إن الميل العام للنقل البحري السلعي عالميا يميل باستمرار إلى نمط النقل بالحاويات بديلا لسفن البضائع العامة لأسباب كثيرة منها تجنب الفاقد وسرعة التداول، وهما ميزتان تعادلان مزيدا من الربح من المنشأ إلى الناقل والمستورد، وفي إحصائية هيئة قناة السويس عن الحركة في القناة في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي (1998): إن الحمولة الصافية العابرة للقناة كانت تتصدرها الحاويات ب 74 مليون طن، يليها البترول بنحو 46 مليون طن ثم السفن حاملات السيارات نحو 35 مليون طن، وأخيرا سفن البضائع العامة والسفن مختلطة الوظيفة نحو 13 مليون طن. هذه أرقام مشجعة على تخصيص الميناء الجديد للحاويات بصورة أساسية، خاصة إذا علمنا أن بناء سفن الحاويات الجديدة في ترسانات العالم المختلفة تنحو إلى جيل من سفن الحاويات أكبر من الحالية.
والمشرع في شرق التفريعة يتضمن أيضا إنشاء منطقة صناعية كبيرة جنوب الميناء مباشرة، فهل ستصبح هذه المنطقة ضمن المناطق الحرة؟ وما هو مفهوم المنطقة الحرة في مصر؟ نعرف أن هناك أشكالا متعددة منها المنطقة الحرة والميناء الحر والمدينة الحرة؟ وقد أكدت كثير من البحوث ضرورة إلغاء هذه التشريعات المتعددة وإدراجها كلها في تشريع واحد واضح يفوت فرصة التلاعب بالنصوص القانونية من خلال التفسيرات المتعددة.
وقد اعترض الكثيرون على مبدأ بيع الأراضي في المنطقة الصناعية وفضلوا عليه نظام التأجير وحق الانتفاع لمدة 40-50 سنة مع بقاء الأرض ملكا للدولة؛ لأن ذلك أكثر ربحية للدولة ومنعا للمضاربة على الأراضي ورفع قيمتها الفعلية بدون مقابل حقيقي، ويرى هؤلاء أن دخل الدولة من القيمة الايجارية المدفوعة على مدى حق الانتفاع سيكون أعلى من قيمة بيعها الآن، وتظل الأرض بعد ذلك ملكا للدولة تؤجرها كما تشاء. وكذلك كانت هناك اعتراضات على المساحة المخصصة للميناء المحوري (22,5 كيلومترا مربعا) أنها ضيقة لا تسمح بتوسعات ضرورية مستقبلية، خاصة أن المنطقة الصناعية (87,5كم مربعا) تلي الميناء جنوبا فتحجم امتدادات الميناء في المثلث الضيق بين التفريعة وبحيرة الملاحة، فإذا كانت أراضي المنطقة الصناعية قد بيعت، فإن سلطة الميناء مضطرة إلى شراء أرض التوسعات من المستثمرين بأسعار عالية جدا بالقياس إلى سعرها الأصلي. ومن بين ما ذكر أن هناك فرص عمل وإسكان في أرض المشروع، فأين هي المدينة السكنية التي تستوعب نحو مائة ألف أو يزيد وليس لها وجود على المخطط المعروض كأن البشر ليس لهم حساب. وقيل عابرا: النوبة المنطقة السكنية ستكون جنوب المنطقة الصناعية، فهل يجوز أن ننقل أسوأ خبراتنا في القاهرة وحلوان، حيث تلقي الصناعة بملوثاتها في جو المدينة، ألا نعلم أن الرياح السائدة في مصر عامة هي الشمالية، وأن المدينة المقترحة ستقع في مهب التلوث الصناعي؟
وأخيرا لا شك أن لدى مصر مشروعات تنمية طموحة كثيرة منها اثنان في منطقة القناة رأس خليج السويس وشرق التفريعة. واحد في الجنوب والآخر في الشمال فماذا عن بقية منطقة القناة؟
في مارس 1996 نشرت في جريدة «الأهرام» موضوعا موجزا عن ضرورة تعظيم منطقة القناة بإنشاء سلسلة من المناطق الصناعية متوسطة التكنولوجيا على طول الضفة الشرقية للقناة، على أن تبنى هذه المصانع على حارات مائية متعامدة على القناة بطول بضع مئات الأمتار تمتد من القناة شرقا إلى الداخل، الغرض من التركيز على الصناعات متوسطة التكنولوجيا غرض مزدوج؛ الأول: أنها صناعات أقل تكلفة في رأس المال وأكثر عمالة بشرية مما يساعد على إيجاد وظائف للمصريين - وهو مطلب مهم في ظل الظروف السكانية والاقتصادية الحالية، والغرض الثاني: أن ناتج الصناعة متوسطة التكنولوجيا رخيص وقادر على اكتساب السوق الفقيرة لكتل السكان الريفيين في مصر والسودان والصومال وغيرها من بلاد البحر الأحمر وشرق أفريقيا.
وعلى سبيل المثال، فإن المنطقة الصناعية الحالية في مدينة الإسماعيلية كان يمكن أن تكون في شرق القناة أمام الإسماعيلية بدلا من موقعها الحالي في غرب المدينة. الموقع الحالي له سلبيات أولها: أنه يحجم نمو الإسماعيلية غربا، وثانيها: أنه يساعد على تلويث جو الإسماعيلية، وثالثها: أنه كان يمكن استصلاحه كأرض زراعية وحزام أخضر يقي المدينة من هبات الرياح شديدة الأتربة؛ لأن التربة هنا طينية جافة مفككة كونتها فروع النيل القديمة المندثرة، أما موقع الصناعة شرق القناة، فليست له هذه السلبيات، بل إن له إيجابية إعمار الجانب الشرقي بما يتضمنه من تدعيم استراتيجي للقناة يعرفه العسكريون، فهلا فكرنا أيضا في هذا المجال الحيوي الوسيط من الصناعات إلى جانب المشروعات الكبرى في خليج السويس وشرق التفريعة؟
وهلا فكرنا مسبقا في حماية البيئة من ناتج الصناعات وكمية التلوث البحري والصرف الصحي في خليج السويس وأثره على مصير القرى السياحية في العين السخنة ورأس سدر، أليست رأس سدر من الأهمية بحيث رأت الدولة إنشاء مطار دولي فيها، هل المطار لخدمة السياحة وحركة النقل في منطقة جنوب السويس أم لخدمة منطقة الصناعة الجديدة؟
وفي الشمال في المنطقة بين التفريعة وبحيرة البردويل توجد بحيرتا الملاحة الكبرى والصغرى اللتان تكونان ملجأ مهما لطائر الفلامنجو والطيور المهاجرة في شرق المتوسط، الملجأ المهم الثاني في البحر المتوسط هو في منطقة مستنقعات الكامارج في دلتا نهر الرون في جنوب فرنسا، الذي يحافظ عليه الفرنسيون بشكل ممتاز، أما في شرق التفريعة، فقد رأينا مخطط الميناء يجور على نصف بحيرة الملاحة الكبرى، والنصف الآخر سيقع لا محالة تحت طائلة التلوث البحري والنمو المكاني للميناء أو مشروع إنشاء مطار دولي، الذي هو ضروري لخدمة المنطقة الجديدة. فأين نحن منهم في مجال المحافظة على البيئة التي تتشدق بها الكثيرون؟
5 / 1 / 2001 (8) مشروع شرق التفريعة: مصير ومقترحات
نشرت الأهرام في 9 سبتمبر 2000 تقريرا على جانب كبير من الأهمية حول قرارات اللجنة الوزارية للمشروعات القومية. وملخص القرارات بالنسبة لمشروع شرق التفريعة يتفق والجملة المشهورة «يعود الحال كما كان عليه.» لقد بدأ هذا المشروع منذ 1998 بطموح كبير: ميناء حاويات محوري ومنطقة صناعية ومدينة سكنية ومطار دولي.
अज्ञात पृष्ठ