मिस्र व हदारा इस्लामिय्या
مصر والحضارة الإسلامية
शैलियों
أما الفاطميون، فقد كانوا منذ استقرارهم في إفريقية يتحدون العباسيين، ولا يعترفون لهم بالخلافة أو الرئاسة الدينية والسياسية، بل يرونها من حقهم، وهم نسل فاطمة وعلي بن أبي طالب. وكانوا غير قانعين بإفريقية، فعملوا على الاستيلاء على مصر لخيراتها الواسعة، وموقعها الجغرافي، وليستطيعوا فيها أن يوسعوا نطاق دعوتهم، ويمدوا نفوذ خلافتهم الشيعية.
وقد حاول أول خلفاء الفاطميين وخليفتاه من بعده أن يفتحوا مصر، ولكن الحملات الحربية التي أرسلوها لهذا الغرض فشلت في بسط نفوذهم على وادي النيل، فلجأوا إلى نشر الدعوة السرية، ولم تكن تعوزهم السبل في هذا الميدان، واستطاعوا أن يكسبوا إلى جانبهم بعض أعيان مصر، وضباط الجيش، وكتب إليهم بعض هؤلاء يدعونهم إلى فتح مصر، ويسهلون لهم أمرها، ومهما يكن من الأمر فإن شرف فتح مصر من الصحراء الغربية لأول مرة كان لجوهر الصقلي قائد الجيش الذي سيره المعز لدين الله رابع الخلفاء الفاطميين. وكان الفاطميون قد مهدوا لهذا الفتح بأعمال استراتيجية لازمة لمثل هذا المشروع العظيم، فظلوا نحو عامين يمهدون الطرق، ويحفرون الآبار، ويشيدون المباني الصغيرة، ويخزنون المؤن والعتاد في الطريق من تونس إلى الإسكندرية. وكان الفاطميون يعرفون ما في مصر من فوضى وبؤس، ويثقون بنجاح دعوتهم فيها إلى حد كبير،
2
ويطمئنون إلى الهدوء في أملاكهم، ولا يخشون أن تهدد مؤخرة جيوشهم. وسار جوهر الصقلي من تونس سنة 358ه/969م على رأس جيش قوامه نحو مائة ألف جندي، وسلمت الإسكندرية له، ثم لقي بعض المقاومة عند الجيزة والفسطاط، ولكنه تغلب عليها في بضعة أيام، وتم له الاستيلاء على الفسطاط بعد نحو ستة أشهر من قيام حملته من القيروان، ووضع جوهر أساس مدينة جديدة قدر لها أن تكون عاصمة الإمبراطورية الفاطمية التي امتدت من سورية إلى حدود المغرب. وورث الفاطميون فيما ورثوه عن الإخشيديين حكم مكة والمدينة. والحق أن صلة وادي النيل بالمدينتين المقدستين في الحجاز ترجع إلى بداية العصر الإسلامي منذ كانت الغلال ترسل سنويا من مصر إلى الحجاز كما كانت ترسل قبل ذلك إلى روما ثم القسطنطينية.
على أن انتقال الفاطميين إلى مصر أطلق يد عمالهم في شمالي إفريقية، فلم يلبثوا أن استقلوا تماما عن الإمبراطورية، وأسسوا أسرة بني زيري في تونس، وبني حماد في الجزائر. ولكن الإمبراطورية الفاطمية كانت قد بلغت أوج عزها في عصر العزيز، حين كان يدعى له في خطبة الجمعة بالمساجد الواقعة بين البحر الأحمر والمحيط الأطلسي، وفي سورية والحجاز واليمن، وحين كان نفوذه يمتد إلى كل هذه الأصقاع، حتى تضاءلت الخلافة العباسية إلى جانب خلافة الفواطم، ثم بدأ الضعف يدب إلى الدولة الفاطمية على يد الخلفاء الضعفاء الذين تقلدوا أزمة الحكم بعد العزيز، وانتقل السلطان إلى يد الوزراء تدريجيا، حتى أتيح للوزير الفاطمي منذ سنة 531ه/1136م أن يتخذ لنفسه لقب «ملك»، مثل: الملك الأفضل رضوان، والملك الصالح طلائع، والملك المنصور ضرغام. وزاد الطين بلة أن الفوضى عمت بين الجند، وتفاقم التطاحن بين أجناسهم المختلفة، ومنيت البلاد بالمنافسة بين الوزراء، ونسي كل منهم أمور البلاد ونفعها في سبيل نفعه الخاص؛ فكان ذلك كله سببا في سقوط الفاطميين، ولا سيما حين قوي ساعد الصليبيين، وتطلعوا إلى فتح مصر، وعمل نور الدين صاحب الموصل على منعهم من ذلك حين طلب إليه بعض وزراء مصر مساعدته على وزراء آخرين. وصفوة القول أن الصليبيين ونور الدين سيروا الحملات العسكرية إلى وادي النيل، وتنافسوا في توطيد مركزهم فيه إلى أن استطاع شيركوه قائد جيش نور الدين أن يقتل الوزير المصري شاور، وأن يحتل مصر، ويتولى منصب الوزارة فيها سنة 564ه/1169م، ولكنه مات بعد ثلاثة أشهر، وخلفه ابن أخيه صلاح الدين، فقضى على الدولة الفاطمية، ونفذ ما أراده مولاه نور الدين فأحل اسم الخليفة العباسي المستضيء محل الخليفة الفاطمي العاضد في خطبة الجمعة، وكان الأخير على فراش الموت، وتوفي قبل أن يعرف هذا التغيير الخطير. وأسندت المناصب الدينية إلى فقهاء المذهب السني، وعادت مصر إلى هذا المذهب، ولم تكن ثمت مقاومة حتى تمت هذه العودة، «ولم ينتطح فيها عنزان» على حد قول المؤرخ أبي الفداء .
وكان طبيعيا أن تتوتر العلاقة بين صلاح الدين ومولاه نور الدين، ولكن الأول كان حكيما بعيد النظر، فاستمر على إظهار ولائه لمولاه، وكان من حسن الحظ أن توفي نور الدين سنة 569ه/1174م فخلا الجو لصلاح الدين، وأصبح حاكم مصر المستقل، بل أعظم الأمراء المسلمين على الإطلاق، وامتد حكم صلاح الدين إلى الشام ومكة والمدينة واليمن، فكتب إلى الخليفة في بغداد سنة 570ه/1175م يعدد فتوحاته، وجهاده للفرنج، وإعادته الخطبة العباسية بمصر، واستيلاءه على بلاد كثيرة في أطراف المغرب، وعلى بلاد اليمن كلها. «وطلب صلاح الدين من الخليفة تقليد مصر واليمن والمغرب والشام، وكل ما يفتحه بسيفه؛ فوافته بحماة رسل الخليفة المستضيء بأمر الله بالتشريف والأعلام السود، وتوقيع بسلطنة بلاد مصر واليمن وغيرها.»
3
والحق أن هذه الأقاليم الواسعة التي أرسل الخليفة إلى صلاح الدين تقليدا بتوليتها لم تكن خاضعة للخلافة العباسية تماما، ولم يكن للخليفة أي سلطان فعلي عليها، ولكنه كان يطرب لطلب صلاح الدين ويسره أن يرى لنفسه ظلا من سلطان الخلفاء السابقين، ذلك السلطان الذي فقده خلفاؤه منذ تفككت إمبراطوريتهم، وقامت على أنقاضها الدويلات الصغيرة.
على أن هذه الدولة الواسعة التي بناها صلاح الدين، وامتدت من الدجلة إلى وادي النيل لم تلبث أن قسمت بين أولاده وإخوته، واستطاع أخوه العادل سيف الدين أن يتفق مع العزيز أحد أبناء صلاح الدين، وأن تصبح له المكانة الأولى، فيضم إلى مصر غيرها من أملاك صلاح الدين. وطلب العادل من الخليفة العباسي الناصر لدين الله تقليدا بحكم مصر والشام، وسائر البلاد التي تحت حكمه، فجاءه هذا التقليد مع الخلع الثمينة له ولأولاده، وكبار رجال دولته، وتم تسليم ذلك في احتفال عظيم.
ومهما يكن من الأمر فإن أمراء الأيوبيين ظلوا يحكمون الأقاليم المختلفة من إمبراطوريته الكبيرة، ولكن كلا منهم كان يخشى الآخرين، ولا يثق بهم، فاضطروا إلى مسالمة الصليبيين حينا، وعقد بعضهم مع الصليبيين اتفاقا، قوامه أن يساعدوه على منافسيه لقاء ما ينزل لهم عنه من الامتيازات، وأفاد المسيحيون من ذلك كثيرا. وحسبهم أن الملك الكامل نزل للإمبراطور فريدريك الثاني عن بيت المقدس لقاء تعهده بمساعدة الملك الكامل ضد أعدائه.
अज्ञात पृष्ठ