وقدم الأهالي من جميع الجهات ليشاهدوا الغرباء وسفنهم وهداياهم، فملكتهم الدهشة، وسألوا المصريين:
كيف وصلتم إلى هذه الأرض وهي مجهولة من جميع الناس؟! هل جئتم عن طريق السماء، أم عن طريق البحر المقدس؟
وتقدم إلى المصريين الحاكم واسمه «باريهو» وامرأته «آتي» وابنتهما. وكانت زوجته راكبة حمارا، فنزلت عن ظهره لتتأمل الأغراب، ولا شك أن الحمار حمد الإله على ذلك؛ لأن المرأة كانت في غاية السمن والضخامة، وكذلك كانت ابنتها على صغر سنها.
وتبادلوا مع رسول الملكة السلام، وابتدأ المصريون في العمل، فضربوا خيمة كبيرة ليعرضوا فيها بضائعهم، وقد وقف بجانبها بعض الجنود؛ ليدفعوا من يفكر في السلب والنهب، وفتح السوق جملة أيام، والأهالي تبادل كنوز بلادها ببضائع المصريين، ففرغت السفن المصرية، ثم ملئت ثانيا بكنوز بنت، وهي الذهب، والأبنوس، والقرود، وجلود النمر والأسد، وأخشاب البخور والصمغ. وعاد مع المصريين على سفنهم كثير من نبلاء بنت؛ ليشاهدوا البلاد التي لم يسمعوا عنها.
ولم يكن الرجوع سهلا؛ خاصة وأن السفن كانت مثقلة بالكنوز والرجال. ووصل الأسطول إلى طيبة عن طريق قناة توصل بين البحر الأحمر والنيل.
وقد سر جميع المصريين بنجاح الحملة، فكان يوم وصولها إلى طيبة يوم احتفال عظيم، اشترك فيه جميع المصريين على اختلاف طبقاتهم، وخرج الأهالي في صفوف منظمة يستقبلون الجنود المستكشفين، وقاد الأسطول المستكشف أسطول ملكي إلى رصيف المعبد؛ حيث رست السفن كلها.
واستطاع الطيبيون أن يروا الكنوز التي أتى بها المستكشفون، وكانت دهشتهم عظيمة عندما وقعت أبصارهم على البنتيين، ولفت أنظارهم خاصة زرافة أحضرها المصريون معهم. وقد يتساءل كيف حملت الزرافة المسكينة التي أثارت دهشة المصريين برقبتها الطويلة وبقع جلدها الجميلة؟!
وقد وضعوا البخور في المعبد، بعد أن وزنته الملكة بنفسها بميزان مصوغ بالذهب والفضة، وهكذا انتهت الرحلة بالنجاح والفوز، ولكنها لم تكن كل أغراض الملكة، بل ولم تكن نصفها.
كان والد الملكة قد ابتدأ في تشييد معبد في مكان يبعد عن طيبة عدة أميال، على مقربة من أطلال معبد متخرب، ولكن الموت حال بينه وبين إتمامه، فأخذت الملكة على عاتقها هذه المهمة، وابتدأت في العمل، وقام البناء، وكان على طراز جديد مخالف للمعابد المصرية التي سبقته.
ففي جهته الأمامية بنوا على رمال الصحراء طبقات مدرجة من الأرصفة، كل واحدة تعلو على سابقتها، ومحدودة على الجانبين بأعمدة مرتفعة، ويؤدي ذلك البناء المدرج إلى الحجرة المقدسة المنحوتة في الصخر الشاهق.
अज्ञात पृष्ठ