मिस्र मिन नासिर इला हरब
مصر من ناصر إلى حرب
शैलियों
كل هذه الأسئلة وغيرها كان من المقرر مناقشتها مع ناصر، على الرغم من أن فكرتنا في السابق كانت تتلخص في محاولة التوصل أولا إلى اتفاق مع الأمريكيين، ثم إبلاغ ناصر بعد ذلك للحصول منه على موافقته، أو على إجراء بعض التعديلات. كان ناصر يتعامل مع كل الصياغات التي كان يتصور أن من شأنها إضعاف موقف مصر بشعور من الحسرة والألم. كان وزير خارجيتنا (أندريه جروميكو، المؤلف) يرفض الذهاب إلى مصر، حيث إنه اضطر عدة مرات قبل ذلك للحديث مع ناصر بشأن هذه الموضوعات، ولكنها لم تسر على ما يرام. وقد رشحني للذهاب إليه وهو ما تمت الموافقة عليه.
وهكذا، حصلت على تفويض بمحاولة الاتفاق مع ناصر على عدد من القضايا المهمة والدقيقة. وقبل أن تحلق الطائرة بي قال لي وزير خارجيتي، إنه إذا نجح التفويض ولو بنسبة 10٪ فإن ذلك يعتبر نجاحا. لم تكن الوصية ملهمة كثيرا! وها نحن ننطلق إلى ناصر.
مارس عام 1970م، الزيارة الأولى لي للقاهرة. عندما وصلنا علمنا أن والد ناصر قد توفي، وأن من المنتظر أن يستقبلنا بعد يومين. وقد كرسنا هذين اليومين في محاولة الاتفاق مقدما على جميع القضايا مع وزير الخارجية محمود رياض
2 (ما عدا قضية إمكانية وقف «حرب الاستنزاف» بطبيعة الحال). وقد تباحثنا طويلا معه، وبدا لنا أننا أقنعناه، على الرغم من أنه، كما كان يحدث دائما، كان لديه قدر لا يستهان به من الشك وعدم الثقة في أي حل سوى الحلول العسكرية كوسيلة للتوصل إلى التسوية. وفي نهاية مباحثاتنا كان الشيء الوحيد الذي استطاع رياض أن يعدنا به هو إبلاغ فحوى حوارنا لناصر ولا شيء غير ذلك.
استقبلنا ناصر في بيته في هليوبوليس المقام في منطقة عسكرية. وكان البيت من الداخل غاية في البساطة والتواضع.
استقبلنا ناصر بكل بشاشة وترحاب. أجلسني إلى جواره على أريكة وقال لي إنه قرأ الملف الذي أعطاه إياه رياض بشأن المباحثات التي أجراها معي. وأعرب عن موافقته على طرحنا للقضية وأوضح أننا على حق؛ فإننا إذا تحدثنا عن السلام، فيجب علينا أن نتحدث عنه بصوت مسموع وليس همسا. إنه رجل سلام، ولير الجميع ذلك، ومن ثم فليس لديه مانع أن يعتبر مصر، في حالة إذا ما انسحبت القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة، ليست فقط في حالة إنهاء حالة الحرب، وإنما في «حالة سلام» مع إسرائيل. وكان يعلم أن قراره هذا لن يلقى، على أقل تقدير، قبولا جماهيريا لدى البلاد العربية، فضلا عن مصر نفسها. ربما يظهر هناك رافضون، لكن الرجل كان على يقين من صحة رأيه، فضلا عن صلابة موقفه. وقال إن وضع مصر ومكانة رئيسها يتوقفان على قدرتي على السماح لنفسي باتخاذ حتى هذه القرارات التي قد تبدو غير مفهومة للوهلة الأولى من جانب الشعب، ومن ثم لا تجد لديه قبولا.
وقال ناصر إنه بالنسبة لفرض حالة السلام فإنني أتفهم قلق الأصدقاء السوفييت جراء إحساسهم برغبة مصر في سحب البساط من تحت أقدام خصومنا المشتركين، وطموحها في التسلح ورغبتها في تدمير إسرائيل. في الواقع فإن البعض يمكنه أن يؤكد أن على إسرائيل ألا تسحب قواتها؛ لأنها لن تعرف ما سيكون عليه الوضع بعد انسحابها؛ سلام أم شيء ما آخر. ولكي يزول هذا الشك، فإنه على أتم استعداد للموافقة معنا على أن يحل السلام فورا بعد إنجاز المرحلة الأولى من انسحاب القوات الإسرائيلية، بشرط ألا تستمر المرحلة الثانية من الانسحاب النهائي لفترة طويلة، عندئذ سيكون بإمكان الإسرائيليين أن يسحبوا، بشكل نهائي، قواتهم في ظروف سلمية بالفعل، وهو تنازل كبير من جانب العرب؛ إذ يعني نظريا أن مصر ستوافق على أن تكون في حالة سلام مع إسرائيل، على الرغم من أن القوات الإسرائيلية سوف تكون موجودة لبعض الوقت على الأراضي المصرية، ولكنها ستكون في حالة انسحاب.
أما بالنسبة لمسألة التزامات الجانبين في حالة قيام السلام، فكان ناصر يدرك أن من الضروري هنا حرمان العدو من استخدام ورقة عدوانية مصر؛ ولذلك فهو يوافق على تسجيل هذه النقطة، من بين نقاط أخرى، تفيد أن البلدين سوف لن يسمحا بأية أعمال عدوانية من أراضي أي منهما ضد أراضي الآخر. وقال ناصر إن من المحتمل أن يهاجمني الفلسطينيون لهذا السبب، ولكني لا أخشى ذلك، ما دام الحديث سوف يدور حول «الشروط النهائية للسلام»، والذي سيتضمن الحديث أيضا عن حل مسألة الفلسطينيين.
أعربت عن امتناني لناصر على قراره وأخبرته أنه سوف يساعدنا في نضالنا المقبل من أجل مصالح البلاد العربية.
بعد ذلك قلت إن لدي تكليفا حساسا آخر، لم يكن بإمكاني مناقشته مع محمود رياض. وهنا، عرضت عليه حججنا وتقديراتنا بشأن «حرب الاستنزاف»، وكانت هذه أصعب لحظة واجهتها. كان ناصر يربط هذه «الحرب» بالعديد من شعاراته السياسية، التي كان يستخدمها لتحقيق أهدافه السياسية سواء داخل البلاد أو خارجها.
अज्ञात पृष्ठ