मिस्र मिन नासिर इला हरब
مصر من ناصر إلى حرب
शैलियों
حاولت بكل قوتي بطبيعة الحال أن أقنع السادات أن الأمر لم يكن كذلك، لكن جهودي ذهبت سدي. راح يكرر ويكرر ضاحكا وقد وجه ناظريه إلى نقطة محددة هناك في الفضاء وهو يقول: «ها قد جئت إليكم.» منذ هذه الرحلة تولد لدى السادات إيمان عميق بأنهم في موسكو «لا يثقون فيه».
لقد حددت تصرفات السادات في موسكو بالطبع علاقاته بالناصريين، وخاصة أن هؤلاء كانت توجهاتهم تتركز في جر الاتحاد السوفييتي قدر الإمكان أكثر فأكثر إلى قضية الشرق الأوسط، ولو كان الثمن في ذلك وقوع مواجهة بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية. بينما كان السادات يسير بخطى حثيثة نحو التخلص من الإرث الناصري. وفي عام 1971م وقعت أحداث مايو الشهيرة التي عكست أيضا علاقة السادات بالاتحاد السوفييتي.
ليس لدي أدنى شك، على سبيل المثال، وإن كنت لا أملك أدلة مباشرة على ذلك، أن إحدى نتائج هذا العمل من جانب السادات كان الإساءة إلى سمعة الاتحاد السوفييتي، بزعم أنه يقف وراء «المتآمرين». ما الذي يمكن قوله في هذا الصدد؟
لم يكن عبثا أن السادات أرسل شعراوي جمعة أيضا إلى موسكو في «زيارة سرية»، كما أرسل وفدا لحضور المؤتمر الرابع والعشرين للحزب الشيوعي السوفييتي يضم في عضويته كلا من عبد المحسن أبو النور، الأمين الأول للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي؛ وسامي شرف. وقد أصر على أن يستقبلهما ليونيد بريجنيف في «سرية» تامة. كانت القضايا التي طرحها جمعة وشرف هي نفس القضايا الخاصة بالحصول على قاذفات قنابل بعيدة المدى من أجل توجيه ضربات في عمق إسرائيل. كان الهدف من هذه الزيارات عنده هو خلق انطباع عن وجود صلات دائمة بين موسكو وعدد من المقربين إليه. وكما هو معروف فقد تم اعتقال كل هذه الشخصيات، إلى جانب آخرين، في منتصف شهر مايو، وحكم عليهم بالإعدام شنقا، ثم استبدل بالحكم الأشغال الشاقة لمدة خمسة وعشرين عاما.
لسبب أو لآخر تحضرني هنا واقعة أخرى ينبغي علي أن أذكرها بكل تفاصيلها. بعدما سلمت الرئيس السادات أوراق اعتمادي، وإبان حديثي معه باعتباري سفيرا للاتحاد السوفييتي، ذكرته برغبته في عقد لقاءات أسبوعية معي، وأشرت إلى أن القيادة السوفييتية تشاركه هذه الرغبة، ومن ثم فإنني على استعداد دائما لعقد هذه اللقاءات، وإنني في انتظار تعليمات الرئيس. في الواقع لم أستمع لأي رد من السادات على هذا الحوار. وقد عدت للتطرق إلى هذا الموضوع بصورة أخرى بعد فترة من الزمن لعلمي بأنهم في موسكو ينتظرون هذه اللقاءات بعد أن أبلغ ألكسي كوسيجين المكتب السياسي بهذا الاتفاق الذي تم بيني وبين السادات. لكن السادات لم يرد أيضا في هذه المرة، وعندئذ قررت ألا أزعجه.
بعد عدة أيام دعاني سامي شرف الذي كان آنذاك الرئيس الفعلي للمخابرات العامة والحربية، وأخبرني بأنه على علم بالفكرة التي طرحها علي السادات بشأن اللقاء مع السفير السوفييتي أسبوعيا، ولكن الرئيس فوضه أن يعرفني ببعض القضايا، وأن يحيطني علما ببعض المشكلات ، إذا جاز التعبير، قبل أن تبدأ هذه اللقاءات.
وبعد ذلك ذكر لي سامي شرف أن الرئيس ناصر قبيل وفاته بفترة قصيرة دعا إليه السادات وسامي شرف وشعراوي جمعة ومحمد فوزي، وقال لهم إن هذه المجموعة منوط بها إدارة الدولة في حالة وقوع أي ظروف طارئة، وإنهم جميعا مكلفون بالاهتمام بتوطيد أواصر الصداقة مع الاتحاد السوفييتي باعتباره الحلقة الرئيسية لكل العلاقات السياسية الخارجية للبلاد. وأردف سامي شرف قائلا إن هذه المجموعة تمسك بقوة بزمام السلطة، وراح يحكي عن أن لديه معلومات حصل عليها من التنصت على كثير من المصريين، وأن هناك أياد كثيرة داخل مصر تود لو أطبقت على رقبته (سامي شرف). كل ذلك أثارني. كانت هذه «الصراحة» غير مفهومة في بعض من جوانبها بالنسبة لي، والأمر الأساسي الذي لم أفهمه هو لماذا وجب عليه أن يخبرني بكل ذلك. خيل إلي آنذاك أن هؤلاء الناس يغالون ببساطة في قيمة أنفسهم.
تكررت هذه الأحاديث مع سامي شرف ثلاث أو أربع مرات. كانت نوعا من المحاضرات، إذا جاز التعبير. أما اللقاءات مع السادات فلم تتم على أية حال. وأخيرا، عندما حان موعد اللقاء الأول، نجحت في أن ألفت انتباه السادات أنني مواظب على الاستماع إلى محاضرات سامي شرف بكل اجتهاد، فقال لي إنه يعرف ذلك.
تأزم الوضع في البلاد، وبات واضحا للعيان الخلاف القائم بين السادات وبين من حوله من الناصريين. وقد أثار هذا الوضع قلقي؛ لأن السادات توقف عن أن يلتقي بي من جهة، ولأن شخصيات حكومية أخرى راحت تدعوني لتبادل الحديث معها. لم يكن بوسعي أن أتحاشى هذه اللقاءات لأنها كانت لقاءات عمل. لكن تفاصيلها كلها كانت كما لو أنها تصب في خانة معارضة الرئيس. كان علي أن أبذل جهودا مضنية لكي أحظى بلقاء جديد مع السادات. كان اللقاء يتطلب بطبيعة الحال أن يقع أمر جلل، وفور لقائي به طرحت على الرئيس سؤالا مباشرا حول من هم أفضل أصدقائه الذين باستطاعتي أن أتحدث معهم بصراحة كما أتحدث مع الرئيس؟
نظر إلي السادات باهتمام، وقال إن أفضل أصدقائه هم شعراوي جمعة ومحمد فوزي وسامي شرف.
अज्ञात पृष्ठ