मिस्र मिन नासिर इला हरब
مصر من ناصر إلى حرب
शैलियों
انطلاقا من هذا التصرف الغامض أصبح الأمر برمته أكثر وضوحا؛ فالسادات قد عقد العزم على المضي في أمور لا يفصح عنها، وهي أمور تتناقض مع منطق تصرفاته الغامضة على المستويين السياسي والعسكري؛ أي مع إعلانه أن مصر لا تزال تواصل تمسكها بمواقفها السابقة المناهضة للإمبريالية . وهو ما يعكس حدوث تغييرات جذرية؛ فها هو الرئيس يضحي من أجلها بحياة الآلاف من الجنود والضباط المصريين.
في ليلة الحادي والعشرين من أكتوبر، وكان الجو حارا مشبعا بالرطوبة، وفي حوالي الساعة الواحدة وخمس وأربعين دقيقة، أيقظني من نومي رنين الهاتف. طلب مني الرئيس سرعة التوجه إليه في قصر الطاهرة.
انطلقت في ليل القاهرة وبصحبتي ف. جوليزادي، وكنا نتبادل الحديث بشأن ما يمكن أن يكون الرئيس قد أعده لنا هذه المرة. صادفنا في الطريق عددا من طوابير السيارات العسكرية دهنت مصابيحها باللون الأزرق، وعلى ضوء القمر كانت سيارات بيضاء تمرق كالأشباح وعلى أسطحها لمبات زرقاء دوارة. كانت سيارات إسعاف قادمة من الجبهة محملة بالجرحى. كثير منهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة. من أجل ماذا؟
دلفنا إلى القصر الغارق في الظلام. اصطحبنا بعضهم إلى إحدى قاعات الاستقبال كما جرت العادة، وإنما إلى شرفة في الدور الأول لها درابزين من الرخام على جانبها بعض التماثيل. لم تكن هناك إضاءة في الشرفة على الإطلاق، بينما كان القمر يلقي بضوئه على الجزء الأمامي من الشرفة المطل على حديقة صغيرة لتفرش أشعته الممرات الخالية بين الأشجار. وعلى الأرضية الرخامية شعاع آخر مائل من ضوء أخضر آت من خلال باب مغلق إلا قليلا.
كان السادات يجلس خلف منضدة صغيرة بالقرب من الدرابزين وإلى جواره جلس عبد الله عبد الفتاح وزير الإنتاج الحربي ممسكا كعادته بدفتر كبير، وقد استعد لتسجيل الحديث. أما حافظ إسماعيل فقد وقف إلى جوار الدرابزين يدخن بعصبية وقد أدار ظهره للحديقة.
لم يكن الرئيس مهتما بمظهره، كان يرتدي سترة عسكرية فاتحة اللون مكرمشة، كثيرة الثنيات وقد فتح ياقتها وترك زراريها العلويين مفتوحين، أما ملامحه فكانت تشي بأنه يبذل جهدا ليبدو متماسكا بل وشديد الثقة بنفسه.
بدأ حديثه معي بالإنجليزية قائلا: «عند منتصف الليل دعاني العسكريون إلى مركز القيادة وأبلغوني بالموقف وبعدها قررت استدعاءكم على الفور.»
توقف برهة ثم جذب نفسا من غليونه وواصل حديثه: «أستطيع أن أحارب إسرائيل، ولكني لا أستطيع محاربة الولايات المتحدة الأمريكية . مصر لا تستطيع مواجهة الولايات المتحدة.»
وكعادته عندما يتحدث بالإنجليزية، كان السادات ينطق بالكلمات على نحو واضح مستخدما التراكيب اللغوية السهلة. كان صوته في البداية معتدلا، ثم إذا به يتحدث وقد غلب عليه التأثر الظاهري. «لا أستطيع التغلب على هذا السيل المتدفق من الطائرات والدبابات الأمريكية. إننا نعمل على تدمير هذا الكم الهائل، ولكن، يبدو لي، أن هذا السيل لا ينتهي. بالأمس فقط دمرنا مائتي دبابة، ولكن دبابات أخرى تظهر من جديد. إنني لا أستطيع مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية ...»
ومرة أخرى يجذب نفسا من غليونه ويطلق دخانه.
अज्ञात पृष्ठ