मिस्र खादीवी इस्माइल
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
शैलियों
فرأى (إسماعيل) أن استمرار مهمة كهذه من وسائل المواصلات في يد إدارة فردية، مع احتياج الحكومة نفسها إليها، لأمر يشين الحكومة المصرية كثيرا لأنه ينم عن تأخرها في المضمار الجارية فيه الدول المتمدينة، فاشترى مصلحة البريد من ذلك الإيطالي النشيط بمبلغ ستة وأربعين ألف جنيه؛ وأنعم عليه بلقب بك، وأبقاه مديرا لها؛ وخصص له، في ميزانية حكومته، مبلغا وفيرا لينفقه على تحسين نظامها وترقية شئونها.
فأبقى موتسي بك مستخدميه القدماء فيها - وكان معظمهم من الإيطاليين، وباقيهم خليطا من السوريين والفرنسيين والجريك والنمساويين والروس والمصريين - واجتهد في إنماء عدد المكاتب وحركة التراسل، بجملة إصلاحات أدخلها على مصلحته تباعا.
وفي سنة 1876 طلب إقالته منها، فمنحه (إسماعيل) مكافأة سنية؛ وعين خلفا له إنجليزيا يقال له: المستر كليار (وهو الذي أصبح فيما بعد، كليار باشا؛ وعين مديرا عاما للجمارك المصرية؛ وترك لنفسه أثرا جميلا في قلوب المصريين) ولما رأى المدير الجديد أن عدد المستخدمين أكثر مما يستدعيه العمل؛ وأن معظمهم لا موجب لوجودهم في المصلحة إلا دالتهم على بعض كبار موظفيها، صرف ربعهم وأبدل بكثيرين من الباقين غيرهم من الأكفاء؛ وبالخليط، أولاد عرب بالتدريج.
وبعد أن نظم أقلام الإدارة العامة، أقبل ينشئ مكاتب جديدة في القطر حتى أبلغ عددها إلى مائتي مكتب وعشرة، فيها ثمانمائة وثلاثون مستخدما، عدا عن ثلاثمائة واثنين وأربعين جمالا وبربريا، وجعل توزيع المراسلات يوميا بين مصر والإسكندرية وجميع الجهات المهمة، بعد أن كان أسبوعيا أولا؛ فمرتين، ثم ثلاثا في الأسبوع، وما فتئ يحسن فيه حتى صيره إلى ثلاثة وأربعة وخمسة توزيعات في النهار على محطات السكك الحديدية الكبرى، ولما كان عدم انتظام الشوارع وعدم تنمير المنازل في المدن والبنادر يحولان دون توزيع المراسلات على أبواب البيوت، ويوجبان حصرها في شبابيك المكاتب، أنشأ في العاصمتين صناديق خاصة لمراسلات من شاء الاشتراك فيها من التجار والأعيان.
فبلغ عدد المراسلات في سنة 1878 مليونين ونصفا، معظمها تجاري، وبلغت قيمة النقود التي تصدرت، صرا، من عموم المكاتب، عشرة ملايين من الجنيهات، وما من شيء أبلغ من هذه الأرقام في بيان مقدار الخدمات الجليلة التي قامت بها مصلحة البريد بعد أن جعلها (إسماعيل) مصرية.
على أننا، إذا علمنا أنها قامت بها، ومصالح بريد أوروبية بجانبها في الإسكندرية ومصر والسويس، تزاحمها في أعمالها، وتستدعي إلى نفسها، طبعا، لا سيما في أوائل قيام المصلحة المصرية، ثقة التراسلين الغربي والشرقي على السواء؛ وإذا علمنا أن البريد لم يكن يستطيع السفر بين أسيوط وأسوان، وبين أسوان والسودان، إلا كل خمسة عشر يوما على سفن تجارية، ازداد في أعيننا قدر تلك الخدمات وازددنا ثناء على مسديها.
بقي علينا أن نرى ما الذي عمله (إسماعيل) في آخر سبيل من سبل توسيع نطاق الزراعة؛ وأعني به كيفية ربط الضرائب على الأطيان وتوزيعها توزيعا حسنا.
فلا مشاحة في أن القاعدة التي يجب لكل حكومة أن تقيم عليها أمر فرض الأموال على العقارات، إنما هي ثمن هذه الحقيقي، ومقدار ما يجنى منها من ثمار؛ ولا خلاف في أن أثمان الأطيان المصرية ارتفعت في أوائل عهد (إسماعيل) ارتفاعا عظيما؛ وبيعت حاصلاتها، لا سيما القطنية، بأثمان تكاد تكون منامية: وذلك بسبب الحرب الأمريكية الأهلية، وبوار زراعة الولايات المتحدة ومزارعها.
وليس من ينكر أن اتساع نطاق الري وطرق المواصلات، الاتساع الذي بيناه، كان من شأنه أن يجعل ارتفاع أثمان الأطيان، وزيادة حاصلاتها، مطردين.
فلا غرابة، والحالة هذه، في أن تكون الضرائب في عهد (إسماعيل) قد زادت على ما كانت عليه في عهد سلفه؛ وأن يكون قد أدخل على فئاتها شيء من التعديل، في مصلحة «الميري».
अज्ञात पृष्ठ