353

मिस्र खादीवी इस्माइल

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

शैलियों

فأرسل (إسماعيل) ست أورط كاملة العدد والعدة إلى درجة غير معهودة ولا متوقعة من مصر في ذلك الوقت، وجعل أجور رجالها وضباطها ضعف ما كانت عليه، واعتنى بصرفها لهم في أوقاتها المعينة، وتشدد في عدم التقتير عليهم في المآكل، مع الالتفات إلى جودتها، وفي وجوب الانتباه التام إلى الوقايات الصحية.

2

فكفى مجرد ظهور تلك الجنود بهيئتها المنظمة، وعدتها الهائلة بالعسير لحمل الثائرين على الإثابة إلى الرشد، والخضوع إلى الدولة.

فأرسل السلطان عبد العزيز في شعبان سنة 1282 خطا همايونيا إلى (إسماعيل) يشكره فيه، هذا نصه كما عثرنا عليه في منتخبات الجوائب ج5 ص78:

إن الإقدام والمساعي المصروفة منكم؛ لبقاء توجهنا إليكم، واستمرار حسن ظننا القديم فيكم، إنما هو لحميتكم واستقامتكم الذاتية التي أنتم متصفون بها، ومجبولون عليها، وذلك هو المستحسن لدينا دائما. وهذه المرة قد أكد اعتمادنا عليكم ووثوقنا بكم بزيادة ما وقع منكم من الهمة والغيرة بخصوص اندفاع مسألة عشيرة العسير والهمة، من دون حرب، جعلنا جناب الحق، في سائر الأحوال، مظهرا لتوفيقاته الإلهية آمين. (2) الحملة إلى كريت

وفي سنة 1866 شبت ثورة عارمة في كريت - وكريت أيضا ما فتئت منذ أن أخضعتها جنود محمد الرابع في سنة 1660، قائمة على الدولة العثمانية، تثور المرة بعد الأخرى، لتتخلص من نيرها الأجنبي الثقيل - فلما أعيت الباب العالي الوسائل، تذكر أن جنود (محمد علي) في الحلقة الثالثة من القرن كانت قد تمكنت دون الجنود العثمانية من إخضاع ثوار تلك الجزيرة، مقابل تقليد أمير مصر زمام ولايتها، فأرسل يطلب من (إسماعيل) الاقتداء بجده العظيم ، وإنجاد الدولة بفرقة من جنوده البواسل.

وكان (إسماعيل) قد أقبل يخابر السلطان في أمر تغيير مجرى الوراثة المصرية، فعز عليه أن يرفض الإجابة، خوفا من تغيير الخواطر بالأستانة عليه، مع أن الفرمانات لم تكن لتلزمه على المساعدة، في مثل تلك الأحوال، ولا كان لمصر مصلحة في تضحية أولادها، وبذل أموالها في سبيل الدفاع عن تركيا بدون فائدة.

فجهز إذا نيفا وخمسة آلاف جندي تامي العدد تجهيزا عظيما، وعقد لواءهم لشاهين باشا - وكان من رجال الحرب المشهود لهم - وأرسلهم لإنجاد الجنود العثمانية التي كان الثوار قد ضيقوا عليها المسالك والمنافذ، لا سيما بعد أن خابت مساعي مصطفى باشا الكردلي المرسل إليهم في أول أمرهم من لدن الدولة ليجاملهم، حقنا للدماء. ومصطفى باشا هذا هو الذي عهد إليه (محمد علي) العظيم في سنة 1822 أمر إطفاء الثورة في تلك الجزيرة عينها، ثم عاد بعد إحدى عشرة سنة، وانتدبه مرة أخرى للغرض عينه، وجعل عساكر مصر كلها هناك تحت إمرته، فأعاد السكينة إلى نصابها، وبقي واليا على الجزيرة من قبل العاهل المصري لغاية سنة 1841، وهي السنة التي عادت الدولة العلية فيها إلى تولي أمر كريت بنفسها عقب الفرمانات المشهورة.

فما نزل الجنود المصريون إلى سواحل الجزيرة الثائرة إلا وجعلوا ثوارها يشعرون بشدة وطأتهم عليهم، ويدركون الفرق ما بين أولاد النيل البواسل، حينما تكون كتائبهم وجحافلهم منظمة، تامة المهمات، وبين شراذم الباشبوزق المجموعة بدون نظام من كل فج عميق، فساقوا طوائف الثائرين أمامهم، وتوغلوا في داخلية الجزيرة، حتى تمكنوا من فصل بعض فرق الأعداء عن خميسهم المهم، وأوقعوا بهذا الجيش عينه، بالقرب من أرقاذي، وضربوه ضربة تزلزلت لها أركان كريت بأسرها، وخيل معها للملأ أن الثورة قد قضي عليها.

فأرسل (إسماعيل) إلى جنوده البواسل تهانئه الخالصة محررة بقلم عبد الله بك فكري (الذي أنعم عليه فيما بعد برتبة الميرميران، وعرف باسم «عبد الله باشا فكري»، صاحب كتاب «الفوائد الفكرية») - وكان حينذاك ناظر قلمي التحريرات والعرضحالات. وإنا لا نرى بأسا من إيرادها هنا، للدلالة على ما كان لفوز المصريين من رنة طرب وإعجاب في القطر، وعلى الفرق بين إنشاء المراسلات في مصر، وإنشائها في الأستانة «إلى من باشروا وقعة أرقاذي من الضباط الجهادية، وأفراد العساكر المصرية، سلام من الله وتسليم، ورضوان كريم، يهدى لأولكم وآخركم، ويسدى لمأموركم وآمركم. لا زلتم محفوفين من الله بنصره، محفوظين بأمره، غالبين على عدوكم بقهره، متقلبين في نعمته وبره، ولا انفكت عزائمكم في كروب الحرب عزائم، وصوارمكم في قطوب الخطوب بواسم، وأعلامكم للنجح، ولتمكين علائم، وأيامكم للفتح المبين مواسم، ورياح القهر والدمار على عدوكم سمائم، ونسمات النصر والفخار في رواحكم وغدوكم نواسم وبعد فما زلت أتشوق من أخبار شجاعتكم ما يسر الخواطر، وأتشوف من آثار براعتكم ما يقر النواظر، واثقا بعزمكم وحزمكم في المضايق، مبتهجا بما أبديتموه من حسن السوابق، حتى ورد «خابور الشرقية» من طرف حضرة الباشا ناظر الجهادية بيوميات الوقائع العسكرية، مشتملة على وقعة أرقاذي وتفصيلاتها، وما كان من رسوخ أقدامكم وثباتها، وإقدامكم في جهاتها، واقتحامكم مضايق حصونها واستحكاماتها، وتسخير مستعصماتها، وتدمير أشقياء العصاة وكماتها، حتى زلزلت صياصيها، وذللت نواصيها، ودنا لكم قاصيها، ودان عاصيها. فهكذا تكون رجال الجهاد، وأبطال الجدال والجلاد، وهكذا تفتتح الحصون، ويبرز سر النصر المصون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، فقد أسفر لكم بحمد الله وجه التهاني، وأثمر فيكم بعون الله غرس الأماني، وأيدتم ما ثبت للعساكر المصرية، من حسن الشهرة في الأمور العسكرية، فحصل لي من الأنس والسرور بهذه البشارة ما لا تقدر الألسن أن تصف مقداره، ولا يتسع له مجال الإشارة، وتأيد فيكم حسن أنظاري، وظهرت ثمرات أفكاري، وتحققت أنكم بعد الآن - بعون الله الكريم - لا تزلون عن هذا الطريق القويم، ولا تزالون في تأييد مالكم من المجد القديم. وقد شاع حديث نصرتكم بين الأهل والديار، وسارت الركبان بمحاسن هذه الأخبار، كما نقلته صحائف الوقائع إلى جميع الأقطار، فانشرحت صدور أهلكم وإخوانكم، وفرحت بكم جميع أهل بلدانكم، وابتسمت ثغور أوطانكم، وافتخرت بأحاديث شجعانكم، وارتاحت أرواح الشهداء من أقرانكم. والمأمول في ألطاف الله العلية، وبركات السلطنة السنية، ثم في حميتكم الملية، وغيرتكم الوطنية أن يزول حال الاختلال عن قريب، وينتهي أمر القتال والحرب ويطيع الجميع، ويسهل كل صعب منيع، وتعودوا لوطننا العزيز، ظافرين بالنصر والتعزيز، وقد قرب حصول الأمل، ونجاح العمل، ومضى الأكثر وبقي الأقل، والحرب للرجل العسكري، والبطل الجري، سوق عظيم، وموسم كريم، تشترى فيه غوالي المعالي بأعالي العوالي، وتنال فيه منازل الأكارم في ظلام السيوف الصوارم، ويدرك الفخر الصادق بمرامي المدافع والبنادق. وقد علمتم أن الشجاعة تبلغ الآمال، ولا تقصر الآجال، كما أن الجبن يورث العار، ولا يؤخر الأعمار، وإنما هي آجال محدودة، وأنفاس معدودة، ولا تقبل التغيير، ولا التقديم ولا التأخير. والشجاعة صبر ساعة، ثم ينكشف الغبار، وتسفر الأخبار، ويتناقل حديث الشجعان، ويخلد في تواريخ الزمان، فدوموا على إبداء الاجتهاد، وقوموا بأداء حقوق الجهاد، واثبتوا على الشجاعة والإقدام، وثبات القلوب والأقدام، وأنجزوا - بمعونة الله - تمام هذا المرام، وكما جودتم براعة المطلع فأحسنوا براعة الختام.»

अज्ञात पृष्ठ