मिस्र खादीवी इस्माइल
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
शैलियों
إدون دي ليون
مولاي، هذه جملة حقة وصف بها المؤرخ إدون دي ليون والدك الجليل وكان يعرفه عن كثب، إذ كان على عهده قنصلا جنرالا لجمهورية الولايات المتحدة بالقطر المصري.
ولا يسع المرء، إذا أجال الطرف فيما كانت عليه مصر يوم ارتقى (إسماعيل) عرشه وما وصلت إليه من حضارة وتقدم يوم اعتزاله الأريكة الخديوية، إلا أن يعترف بأن إدون دي ليون السياسي المؤرخ لم يقل إلا الحقيقة الواقعة، فقد اعتلى (إسماعيل) أريكة مصر والبلاد لم تخلص بعد من ظلمات القرون الوسطى التي حاول جدكم الأكبر (محمد علي) أن ينتشلها منها، فحال الأجل بينه وبين إتمام عمله، فوقفت مشروعاته الجليلة، وتعطلت أنظمة العدل، وكادت تعفوا آثار العلم، وتخبو جذوة التطور الذي بدت بشائره في سبيل المدنية، أضف إلى ذلك صعابا، منها ما نشأ عن امتياز قناة السويس الذي منحه (سعيد باشا) للشركة المعروفة، فقد كان يلزم مصر بتعهدات من شأنها أن تمس سيادتها في جزء كبير من أراضيها، ومنها ما اشتملت عليه الفرمانات الصادرة في سنة 1841 من نصوص تجعل تبعية مصر للدولة العثمانية في حالة أقل ما توصف بها أنها غير مرضية، وأنها تعرض البلاد لطوارئ ليست في الحسبان، كما أن الامتيازات التي منحتها الدولة العثمانية لرعايا الدول الأجنبية في مصر كانت حملا ثقيلا على عاتق المصريين، اضطربت لها العدالة، وتعددت بسببها السلطات المختلفة في البلد الواحد، حتى كانت النظم الداخلية مختلة معتلة.
أما في الخارج فكانت مصر مفقودة المكانة لا يعرفها على حقيقتها إلا النفر القليل، ويظن أكثر العالم المتمدين أنها لا تمتاز عن بقية بلاد أفريقيا التي لا تزال تعيش عيشة همجية.
تلك كانت حال البلاد، ولكن بعد أن تولى (إسماعيل) العرش ست عشرة سنة ونصف السنة أصبحت لمصر حكومة منسقة تنسيق الأنظمة المتبعة في أرقى البلدان الأوروبية، من حيث نظامها النيابي والإداري والسياسي.
وزادت مساحة أرضها المزروعة نيفا وألف ألف فدان، وتقدم الري فيها تقدما عظيما: فشقت الترع التي لا يحصر عددها ولا تجحد فوائدها، نذكر منها ترعتي الإبراهيمية والإسماعيلية، وشيدت القناطر العديدة، وأقيم من الكباري نحو أربعمائة على النهر الأعظم وفروعه: منها كوبري قصر النيل الفخيم، وكوبري الإنجليز، وأنشئت الطرق الزراعية المترامية الأطراف في أنحاء البلاد، ومدت السكك الحديدية، والأسلاك البرقية على أبدع وضع حتى بلغت ديار السودان، وأنشئت المواصلات البريدية، وأصلح توزيع الضرائب على أرباب الأطيان، وأنشئت شركات الملاحة وغيرها من شركات المساهمة، وأصبحت موانئ الإسكندرية وبورسعيد والسويس، وهي أهم ثغور القطر، تضارع أحسن موانئ السواحل الأوروبية والبحر الأبيض المتوسط عملا وحركة، كما نصبت المنارات الجميلة على طول الشاطئ المصري حتى سواحل المحيط الهندي.
أما الفنون والمهن والحرف على تباينها، والصناعات على اختلاف أنواعها، فقد انتعشت انتعاشا عظيما، ونشطت المشروعات العامة نشاطا جديدا، وظهرت مدن القطر بمظهر غير مظهرها الأول، وعلى الأخص مدينتا الإسكندرية والقاهرة بعد أن رصفت طرقها وأضيئت بمصابيح الغاز ووزعت بهما المياه بطريقة محكمة، وأوجد فيها نظام خاص للكنس والرش، وقد غرست فيها الحدائق الغناء، وأنشئت الميادين والمتنزهات الفسيحة الجميلة على طراز حدائق باريس ومتنزهاتها وساحات السباق، وازداد بهاؤها بالمباني الفخمة، مثل بناء الأوبرا، ودور التمثيل الأخرى، وما أحدث فيها من الأحياء الجديدة على النسق الأوروبي، وما شيد من القصور والمساجد التي تضاهي أبدع ما أنتج فن البناء من عهد المماليك.
وقد زاد عمار البلاد في هذه الفترة وبنيت عدة مدن جديدة، أهمها الإسماعيلية وحلوان، واتخذت في هذا العهد جميع الوسائل اللازمة لحفظ الصحة العامة في القطر: فأعيد تنظيم الإدارة الخاصة بها، وأصبحت البلاد - على قدر المستطاع - في مأمن من غوائل الأوبئة والوافدات، وقد نفخت في التجارة روح جد زادت بها الواردات وضوعفت الصادرات حتى بلغت أربعة أضعاف ما كانت عليه من قبل، وألغي الالتزام الخاص بالجمارك، ونظمت إدارتها أحسن تنظيم.
أما التعليم فحدث عنه ولا حرج، لأنه دفع إلى الأمام دفعة كان من شأنها أن أنشئت المدارس على اختلاف أنواعها في جميع الأنحاء: منها مدارس الفتيات ومدارس العميان ومدارس الخادمات التي انفردت مصر دون الشرق كله بإيجادها، وزودت المدارس الخاصة والأجنبية بالتشجيع، ورتبت لها الإعانات، ونفحت من الهبات الجميلة الشيء الكثير، وظلت البعثات المدرسية للبلدان الخارجية تتوالى ويتسع نطاقها، وصارت العربية لغة رسمية في مصالح الحكومة والمدارس الأميرية بدل اللغة التركية.
كل هذا أدى إلى اتساع دائرة العلوم والمعارف والآداب الاجتماعية: فنبغ في مصر فطاحل الكتاب، ونطس الأطباء، ورجال الصحافة الأكفاء، والمفكرون الحكماء ذوو الرأي الصائب والفكر السديد، وأنشئت مدرسة العلوم المصرية القديمة، ودار الآثار العربية، ودار الكتب الخديوية الفخمة، فأصبحت كأنها حلقة وصلت مصر الفراعنة بمصر القرون الوسطى ومصر الحديثة.
अज्ञात पृष्ठ