294

मिस्र खादीवी इस्माइल

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

शैलियों

فلم يجبه أحد، ولكنهم أخذوا في حشد جيش جديد للأخذ بالثأر، فجمع رجل يقال له الشرتاي أحمد نمر - وكان كبير البرقد - شتات جيش المقدوم أحمد شطه، وأتى وحصر الزبير في الاستحكام الذي بناه، وأخذ يشاغله حتى تصل الجيوش التي يعدها السلطان إبراهيم، فصبر الزبير عليه حتى علم أن الجيوش آتية نجدة له، فأمر (رابحا) - أحد قواده، وقد اشتهر فيما بعد أمره شهرة كبيرة - فخرج إليه بفرقة من الجيش، فقتله هو ومن معه، وغنم ما عنده من خيول، ودروع، وخوذ، ومواش.

وفي 16 أغسطس سنة 1874 بعث الزبير بكتاب إلى السلطان إبراهيم يدعوه للتسليم إلى السلطة الخديوية؛ حقنا لدماء المسلمين، ورغبة في ترك خزائنه وأمواله له، وبقائه مكرما مبجلا عند الجميع، وإلا فالقتال.

فلما وصل السلطان إبراهيم كتابه، طار صوابه، وجهز جيشا عرمرما ينيف على المائة ألف مقاتل، بينهم عدد كبير من الفرسان المدرعين، والمشاة المسلحين بالبنادق، وعقد لواءه لعمه الأمير حسب الله، وجملة من الرؤساء والمقدومين، فوصلوا داره في 25 أغسطس سنة 1874، وحصروا القوات المصرية في الاستحكامات من الجهات الأربع، وكتبوا إلى الزبير كتابا يقولون فيه: «لقد دخلت بلادنا، وقتلت وزيرنا أحمد شطه، ثم الشرتاي أحمد نمر، فاخرج الآن من بلادنا لنشيعك بالسلامة والأمان.» وأرسلوا الكتاب مع ثلاثة رسل، فكتب الزبير إليهم: «إني دخلت بلادكم عنوة، ولست أنوي الخروج منها إلا بقدر من الله، فإذا كنتم قد جئتم لحرب، فتقدموا لها، وإلا فعودوا من حيث أتيتم!»

ورأى الرسل بعض عساكر النمانم الذين كانوا في جيش الزبير الخاص قد اجتمعوا على جثة آدمي يقتسمونها فيما بينهم، فأخذ بعضهم الرأس والكراع، وبعضهم الفخذين، وبعضهم الصدر، وشرعوا يشوونها على النار، ويأكلونها، فاقشعرت أبدانهم، فعادوا وأخبروا بما كان مما رأوا وأجيبوا به.

فاعتمد الفور على الحرب، ونزلوا ضمن دائرة مرمى الرصاص، وأخذوا يناوشون الزبير القتال كل يوم من قبل طلوع الشمس إلى ما بعد نصف الليل، وكان معه زهاء 12000 مقاتل مسلحين بالبنادق، فأصلاهم نارا حامية، صبروا عليها سبعة أيام، ولكنها أهلكت منهم خلقا كثيرا، وفي اليوم الثامن نقضوا خيامهم، ونزلوا بعيدا عن مرمى الرصاص، غير أنهم لم يزالوا على حصر الزبير ومن معه ومناوشتهم القتال الليل والنهار، حتى كاد يفرغ الزاد من المحصورين، وإذا برئيس يقال له الملك أحمد أتى من معسكر الفور طالبا ابنته - وكانت قد وقعت في أسر الزبير في واقعة أحمد شطه - وقدم عشر أواق ذهبا فدية لها، فأخذ الزبير يسأله عن قوة جيش الفور وحركاته، وإذا بالحرس الذين كان قد وضعهم في مأذنة جامع داره لمراقبة حركات العدو يشيرون إليه بالصعود إليهم، فصعد، فرأى الفور في حركة وجلبة، فنزل إلى الملك وقال له: «إذا كنت تذهب وتأتيني بالخبر فإني أسلمك بنتك بلا مقابل.» وأقسم له قسما غليظا، فرجع الملك إلى قومه - وحبه الأبوي تغلب في فؤاده وضميره على كل عاطفة سواه - وقال لهم: «إن الزبير طلب عشرين أوقية ذهب فداء ابنتي، ولم يكن معي سوى عشر أواق.» فقالوا: «خذ هذه عشر أخرى، وبادر وأحضر ابنتك؛ لأن الجيش يستعد للهجوم على السور غدا من جميع الجهات.» فأخذ الذهب وسار إلى الزبير بالخبر ليلة الخميس 31 أغسطس سنة 1874.

وكان الفور في تلك الليلة قد شربوا الخمر، وأكلوا لحم الضأن والإبل، وناموا نوم الراحة، فانتهز الزبير هذه الفرصة الثمينة، وخرج إليهم بثمانية آلاف رجل بهيئة مربع، وزحف في جنح الليل حتى صار على قيد مائة متر منهم، فأمر عساكره، فصبوا عليهم الرصاص كالمطر الوابل، فقاموا مذعورين إلى سلاحهم، وصوبوا على الهاجمين نيرانهم، فأصابت الزبير رصاصة طائشة في يده اليمنى جرحته جرحا بليغا، ولكنه لم يعبأ بها، بل بقي يشدد قومه، ويصب الرصاص على الأعداء حتى اضطرهم إلى تولي الأدبار منهزمين، وقد امتلأت الأرض من قتلاهم، وفيهم أربعون رجلا من أولاد السلاطين.

فجمعت الغنائم، فكان فيها نحو ألفي درع، وألفين وسبعمائة خيمة، وثمانية مدافع قديمة مكتوب على بعضها اسم (سعيد باشا)، وشيء كثير من الأسلحة والذخائر الحربية، ومن الحبوب والزاد ما كفى الجيش أربعة أشهر.

غير أن الأمير حسب الله عاد فجمع شتات جيشه، وهاجم الزبير في السور في 8 سبتمبر سنة 1874، فدام القتال بين الطرفين أربع ساعات متوالية، حتى كثرت القتلى في جيش الفور فانهزموا شر هزيمة.

فلما بلغ السلطان إبراهيم خبر انكسار عمه الأمير حسب الله استعظم الأمر جدا واستكبره، وصاح بقومه صيحة عامة، فجرد منهم جيشا كثيفا بلغ عدده نحو مائة وخمسين ألفا، بينهم ثلاثون ألف فارس، وعدة رجال مسلحين بالبنادق، وثمانية مدافع، وعزم على الخروج إلى الحرب بنفسه، فخلف على الفاشر ابنه الأكبر (محمد الفضل)، وطلب من رجال دولته أن يجعل كل منهم ابنه الأكبر خليفة عنه مع ابنه محمد الفضل، ففعلوا، فزحف بجيشه على داره، فوصلها في ضحى 16 أكتوبر سنة 1874، واحتاط السور من الجهات الأربع، وهاجم من فيه بجميع جيوشه هجمة واحدة، فأمطروه نارا حامية ثبت رجاله عليها حتى الساعة الواحدة بعد الغروب، وفي اليوم التالي أعاد الكرة على السور من قبل طلوع الشمس، فما كانت الساعة الرابعة من النهار حتى ردوا على أعقابهم، فاستراحوا إلى ما بعد الظهر، ثم عادوا إلى الهجوم بعزم صادق مستقتلين وثبتوا ، والرصاص يحصدهم حصد الزرع، إلى أن فصل الليل بينهم وبين أعدائهم، فرجع الفور، وقد قتل منهم في ذلك اليوم خلق كثير، فيهم البعض من أولاد السلطان إبراهيم وأولاد أخيه وأعمامه وعماته.

وفي الليل أتى الزبير كتاب من السلطان، مملوء شتما وسبابا وتهديدا، وقد أقسم فيه بالله العظيم إنه لا بد من إعادة الكرة عليه في الصباح، ودخوله الاستحكام عنوة، وتأدية صلاة الجمعة في مسجد داره، وفي الساعة الخامسة من الليل أطلق على السور خمسة وأربعين مدفعا، فلم يجبه من فيه، وشرعوا يستعدون للغد، فلما أصبح الصباح وانكشف معسكر الأعداء، وإذا به خال من الجيوش، فخرج الزبير بنفر من رجاله يستطلع الخبر، فوجد أن الأعداء قد هربوا بالفعل، ولم يكن هناك خدعة؛ لأن رجال الفور لم يعودوا يستطيعون مهاجمة السور، فهجروا السلطان، فتبعهم ليجمع شتاتهم، ويسير بهم إلى جبل مرة ليمتنع فيه، فجمع الزبير ما خلفه في معسكره، وشرع في الاستعداد للحاق به.

अज्ञात पृष्ठ