मिस्र खादीवी इस्माइल
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
शैलियों
فاستدعاهم الخديو إلى الحفلة الحافلة التي عين لها يوم 28 منه؛ واستدعى إليها أيضا جميع قناصل الدول ومعتمديها ما عدا المعتمد الفرنساوي، فأسرع جمعهم وأم سراي رأس التين رسميا.
فاستقبل شريف باشا وزير الحقانية والتجارة وفودهم، وأكرم وفادتهم؛ ثم سار بهم إلى قاعة الاستقبال الكبرى حيث كان قد سبقهم الأمير (محمد توفيق باشا) ولي العهد ووزير الداخلية، ومنصور باشا صهر الخديو، وإسماعيل صديق باشا وزير المالية، ونخبة من كبار أرباب المناصب العليا، وما انتظم عقدهم فيها إلا ودخل عليهم (إسماعيل) مصحوبا برجال معيته السنية؛ فحياهم ببشاشته المعهودة، ثم خاطبهم قائلا:
يا حضرات السادة، إن تعضيد صاحب الجلالة السلطان الأعظم، مليكي الأكرم، ومضافرة الدول المريدة الخير، يمكناني من إقامة معاهد الإصلاح القضائي، وإجلاس المحاكم الجديدة على منصاتها، وإني لسعيد برؤيتي رجال القضاء المتفوقين الأكارم الذين أكل إليهم بوثوق تام عهده إحقاق الحق مجتمعين حولي؛ فإن المصالح كافة ستجد في أنوار معارفكم طمأنينة كاملة: فتقابل قراراتكم من الجميع بالاحترام والطاعة. إن هذا اليوم أيها السادة سيكون من أيام التاريخ المصري المعدودة؛ ولسوف يعد فاتحة عصر مدنية جديد، وإني لمقتنع أن مستقبل العمل العظيم الذي أنشأناه معا قد أصبح بعون الله تعالى أمرا مضمونا!
فرد شريف باشا على سموه باسم القضاء الجديد وكأنه لسان حاله، فرجا منه أن يقبل تهانئه على عمل الرقي العظيم الذي تم على يديه، وشعور شكر القضاة الجزيل على الثقة التي تفضل وعهد بمقتضاها إلى إخلاصهم مصالح البلد الكبرى ومستقبله، وأكد له أن الهيئة القضائية المصرية الجديدة تقدر مهمة إحقاق الحق التي عهد سموه بها إلى حكمتها وإخلاصها وشرفها حق قدرها، لاعتبارها إياها ميزة من أهم ميزات سلطته السامية، تفضل وخصها بها؛ وأنها تعد نفسها سعيدة أن مثل هذه الثقة الكريمة النبيلة قد وضعت فيها؛ فتستمد من أفكار سموه الصاعدة الممدنة ما تستعين به على القيام بمأموريتها الرفيعة، القيام الأمثل، مع تقديم عملها الفعال لإنجاح جهوده المثابرة؛ لأنها ستتطلع حتما إلى مجد نقش اسمها على صفحات قلوب الأجيال التالية، بأنها كانت ممن تم على أيديهم العمل العظيم المرتبطة سعادة مصر به، والذي يعتبر بلا ريب من أسنى مفاخر ملك سموه.
ورغم ذلك جميعه استمرت فرنسا على ممانعتها وترددها وامتناعها، وكتب وزير خارجيتها في أول يولية سنة 1875 إلى سفراء فرنسا لدى حكومات ألمانيا وإنجلترا والنمسا وإيطاليا وروسيا يبلغهم الخلاف ذا الشأن الخطير، على زعمه، القائم حديثا بين الحكومة الفرنساوية والحكومة المصرية؛ ويكلفهم باستطلاع آراء تلك الدول في موضوعه، فرأت الحكومات التي خابرها أن يؤجل فتح المحاكم إلى أول يناير سنة 1876؛ وأجاب (إسماعيل) أنه لا يأبى ذلك، فأخطر نوبار باشا المعتمدين الأجانب في 14 أكتوبر سنة 1875 بذلك التأجيل المطلوب؛ ورجا أن تتمكن الجمعية الأهلية العمومية الفرنساوية من المصادقة على الإصلاح في غضون المهلة الجديدة.
وفي 13 نوفمبر سنة 1875 رفعت الغرفة التجارية بمرسيليا إلى وزارة الخارجية الفرنساوية عرضا التمست فيه باسم أشهر المحلات التجارية في ذلك الثغر مبادرة الحكومة الفرنساوية إلى المصادقة على مشروع الإصلاح القضائي بمصر؛ وأرفقت بعرضها كتابا طلب تجار مرسيليا إليها رفعه إلى الخارجية وتقريرا إضافيا صادرا من الغرفة التجارية عينها تأييدا لالتماسها، ولكن فرنسا استمرت مع ذلك مقيمة على ترددها.
فلما رأت الحكومة المصرية منها ذلك، ووجدت أن استمرارها على تلك الخطة قد يؤدي إلى تأجيلات ومماطلات جديدة، أنذرتها بأنها ستقرر إقفال محكمتي التجارة الموجودتين بمصر والإسكندرية؛ فلا يعود للفرنساويين سبيل إلى مقاضاة الأهالي أو الأجانب على السواء في المواد التجارية مطلقا.
ومحكمتا التجارة بمصر والإسكندرية كانتا محكمتين مختصتين بالنظر في القضايا التجارية المرفوعة من الأجانب على الأهالي، وبالعكس، والمرفوعة من أجانب على أجانب غيرهم، وكانت كل منهما مشكلة من رئيس وطني قلما كان يدري شيئا من شئون التجارة أو قوانينها، ومن محلفين وطنيين، ومحلفين أجنبيين لا يدرون شيئا بالمرة من القوانين، ويحكمون في الغالب إما طبقا للبداهة والعادات، إذا كانوا نزهاء، وإما طبقا للأهواء، إذا كانوا ممن تلعب الرشوة بضمائرهم.
وكانت الأحكام الصادرة من إحدى المحكمتين تستأنف أمام الأخرى؛ فتتشكل هذه حينذاك من الرئيس عينه وأربعة محلفين وطنيين، وأربعة محلفين أجانب.
وكان لدى كل محكمة: مترجم وباشكاتب وكتاب ومحضرون معينون كلهم من لدن الحكومة المصرية، ويتقاضون رواتبهم منها متى تقاضوها. كذلك كانت وزارة الحقانية تعين أيضا رئيس كل محكمة من المحكمتين بالراتب الذي تراه.
अज्ञात पृष्ठ