247

मिस्र खादीवी इस्माइल

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

शैलियों

بفجأة شبوبها.

ثانيا:

بسرعة رجحان كفة پروسيا على فرنسا فيها، فعجل عودته إلى القطر، في أوائل أغسطس، وعواطفه تحيي فيه، رغم الواقع، الأمل بنصر الفرنساويين عسى أن نصرهم يحقق أمانيه.

وليس من يشك في أنه، لو انتصرت فرنسا في تلك الحرب، ففازت بپروسيا خصيمتها، وخرجت من المعمعة صاحبة الكلمة التي لا تقاوم في ميدان السياسة الأوروبية، وبرز نابوليون الثالث، صديق الخديو الحميم وزوج أوچيني ضيفته الكريمة، في شبه المنزلة التي كانت لعمه العظيم، عقب عقده معاهدة تلست سنة 1807، وأثناء مقابلته بالقيصر، إسكندر الأول الروسي، في إرفرت سنة 1808، كان (إسماعيل) وضع يده في يده، وطلب إليه أن يشد أزره في موقفه، ونادى باستقلال بلاده التام عن سلطنة آل عثمان، معتمدا على إمبراطور الفرنسيس في تسوية مركزه الجديد إزاء الدول الأوروبية، وحيال وجود ترعة السويس التسوية التي ترضيه وترضيها، ولكن انخساف شموس الإمبراطورية النابوليونية، وتدهور الدولة الفرنساوية تدهورا ساحقا، في تلك الحرب المشئومة، كانا ضربة مؤلمة جدا انهالت على مطامع (إسماعيل) فصدعتها، واضطرت صاحبها بأن يعود إلى ما كان عليه من شراء أجزاء ذلك الاستقلال تباعا، شراء صريحا، من السلطان وبابه العالي بالمال، وبرفع مقدار الجزية السنوية، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

ولكنه بقي، مع ذلك، متحينا للفرص، عاملا على اغتنامها، غير يائس من رحمة الله، ومحاسن الأقدار، ولما رأى أن ارتكانه على فرنسا بات، لهوانها بعد قهرها، كما كان ارتكان ملوك يهوذا على فرعون مصر - أي مثل اتكاء المرء على قصبة قد تنكسر فتجرحه، كقول حزقيال النبي اليهودي - وجه وجهه شطر إنجلترا، وشرع يتقرب إليها أكثر من السابق، فخص محل جرينفلد وشركائه الهندسي بلندن ببناء ميناء الإسكندرية - وقد سبق لنا ذكر ذلك في حينه - ولولا حرب السبعين لعهد بعمله إلى محل فرنساوي؛ وبلغ من إعراضه عن فرنسا، لا سيما منذ رأى تعنتها في مقاومة الإصلاح القضائي ، ما حمل وزير ماليته - وكان قد شعر بأن نتيجة تلك الحرب هدمت النفوذ الفرنساوي في نفس مولاه وفي مصر، شأنها في كل صقع وقطر آخر - على الاعتقاد بأنه لم يعد، ثمت، من حاجة إلى عمل حساب لها: فأبى تنفيذ عقد كان قد أبرم بين الحكومة المصرية وأحد الفرنساويين، قبل تلك الحرب، وعامل المطالبين بنفاذه بجفاء وخيلاء لم يكن ليجسر على مجرد الافتكار فيهما قبل واقعة «صيدان»، ولكن القنصل الفرنساوي أظهر، من جهته، وقاحة وتعسفا، كأن نابوليون الثالث لا يزال في كل مظاهر عظمته ومجده، جالسا على عرشه، محط أنظار العالم المتمدين، ولم يكتف بمقابلة عتو الوزير المصري وعجرفته بضعفيهما من العتو والعجرفة، بل دخل ذات يوم، عنوة، في بيت فرنساوي كان كاتب سر لشريف باشا، واغتصب أوراقا من شأنها إيقاع عدة من كبار الموظفين المصريين تحت طائلة مسئولية مخيفة، على ما أشيع في ذلك الحين، ولما أصبحت في يده، جابه بها الوزير إسماعيل صديق باشا، وهدد بإفشاء سرها المكنون إذا هو لم يجب طلبه في الحال، ولما كان وزير المالية هذا من أولئك الموظفين الكبار، بل في مقدمتهم، خاف الفضيحة، ونزل على شروط القنصل، فأصاب هذا، بمقتضاها، فائدة مادية، على ما همست به الألسنة، أكبر من الفائدة التي نالها محسوبه.

29

ثم إن (إسماعيل) عملا بالخطتين معا: خطة تحين الفرص لاغتنامها، وخطة التمكن بما له من قلب الأستانة ولبها، اشترك، من جهة، اشتراكا رسميا في المعرض الذي أقيم بڨيينا سنة 1872؛ وأقبل على التوسع وراء حدود مصر الجنوبية، من أقصى غربها إلى أقصى شرقها، توسعا سيأتي بيانه؛ واستمر، من جهة أخرى، بتردده على الأستانة، كشمس تحيي الموات، وتبث الحياة، يعمل على بت كل علاقة تبعية لها، وكسر قيد سيادتها عليه حلقة، حلقة.

30

ففي الأسبوع الثالث من شهر يونية سنة 1872 سافر وبمعيته سمو الأميرة والدته إلى الأستانة، وقد عزم عزما أكيدا على أن لا يبقى، ما سوى الجزية، على أية رابطة كانت بينه وبين الدولة العثمانية، فما مضت على وصوله إليها بضعة أيام إلا وأهدى عبد العزيز، بحجة الاعتراف له بما كان من وقع جميل في نفسه للحفاوة العظمى التي قابله بها، خمسين ألف بندقية من طراز مرتيني هنري، كان قد أوصى معامل إنجلترا بصنعها.

وبعد مضي أسبوع أو أسبوعين، اغتنم فرصة احتفال السلطنة العثمانية بتبوء مليكها عرش الخلافة الإسلامية، فأقام في قصره، بأميركون، معالم ابتهاج فاخر، توالت فيه الولائم، النادرة المثال، لكبار رجال الدولة، ختمها بوليمة خاصة بجلالته، بذل فيها من صنوف اللذات، ومختلف المطاعم والمشارب، ما لا يقع في خلد رجل؛ وتوج ذلك جميعه بأن قدم لعبد العزيز «طقم» سفرة، بديعا، من صنع باريس، كل آنيته من الذهب المرصع بالحجارة الكريمة؛ وقد استعمل في تزيينها، من الماس وحده، نيف وخمسة آلاف قيراط!

अज्ञात पृष्ठ