199

मिस्र खादीवी इस्माइल

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

शैलियों

فقال دي لسبس: «يعني أنك تطردني. أجل، ولكني أريد أن تعرفني، أولا، ما الذي جرى لك البارحة!»

فلم يجبه (سعيد) إلى طلبه، والذي دار في خلد دي لسبس، بناء على قرائن الأحوال هو أن (سعيدا) قال، حتما، في نفسه: «هذا رجل أتى من باريس، حيث ترك عائلته وأولاده، وجاء إلى الخرطوم على بعد نيف وألفي ميل عن مصر، فينفتح ذهنه هو، إلى نصيحة حسنة يبديها لي؛ وأنا لا ينفتح ذهني لها؟» وأن هذا الفكر هو الذي غير دمه إلى حد أخرجه عن دائرة صوابه، حتى خطر له أن يثب عليه ويقتله، فرمى بسيفه بعيدا، لكيلا يغلبه الوسواس، فيصير إلى ما صار إليه الاسكندر الأكبر مع كليتس صديقه، ثم أراد إبعاده، بعد ذلك بضعة أيام، لكيلا تنسب إليه الإصلاحات الجميلة، التي صمم على إدخالها على حالي السودان الإدارية والاجتماعية، بل تنسب هي ونفاذها إليه دون سواه!

16

غير أنه في سنة 1857 عينها التي سافر (سعيد) فيها إلى السودان، شبت في الهند الثورة العسكرية المشهورة التي كادت تفقد بريطانيا العظمى تلك المستعمرة الغنية، وتنتزع من التاج البريطاني أجمل وأثمن ماسة فيه.

فشعر الشعب الإنجليزي بأسره شعورا عميقا بمقدار الفائدة الناجمة له قبل غيره، وأكثر من سواه، عن تقصير مدى السفر البحري بين شواطئ بلاده وشواطئ الشرق الأقصى؛ وأخذ يقدر مشروع دي لسبس حق قدره؛ وشرعت الدوائر التجارية والصناعية، بل بعض الدوائر السياسية عينها، تحبذ العمل، وتستنكر معارضة الحكومة الإنجليزية له.

فباتت الطريق إذا ممهدة هناك، أمام مجهودات دي لسبس؛ وأصبحت الأرض صالحة لتنمو فيها بذور إقناعاته، فلما أم البلاد الإنجليزية، لتنوير أذهان أهلها واستمالتهم إلى مشروعه، وجد من مظاهر الاحتفاء به، والإكرام له ما قرت به عينه وانشرح له صدره، فخطب في نيف وخمسة عشر مجتمعا حافلا بنقابات التجارة ومندوبيات البلديات، في لندرا وغيرها، من أمهات المدن البريطانية، فنال منها كلها، قرارات بصلاحية المشروع وكبير فائدته للتجارة على العموم والتجارة الإنجليزية على الأخص.

وحدا ذلك بزمرة من خيرة رجال البرلمان البريطاني إلى القيام لتعضيده، وسؤال الحكومة رسميا في جلسة 2 يونية سنة 1858 عما إذا كان في عزمها أن تساعد على نفاذ مشروع قنال السويس، وتحمل الباب العالي على منح الفرمان المطلوب له.

فأثار هذا السؤال أحقاد اللورد بلمرستن الكامنة، وهيج غضبه، فنسي مركزه وواجب المجاملة التي يقتضيها منه لفرنسا وحكومتها؛ وانبرى للرد على السائل، بمضاضة لا مزيد عليها، قائلا : «إن الحكومة البريطانية أبعد من أن تعضد «خزعبلة» وطريقة نصب، غرضها الاحتيال على اقتناص أموال البسطاء، بحجة نفاذ مشروع خيالي وهمي، لا سبيل مطلقا إلى نفاذه!»

فانضم مجلس النواب إلى اللورد النبيل، ورفض السؤال والخوض فيه بأغلبية ساحقة.

فما كان من دي لسبس إلا أن أجاب على ذلك بإقدامه، في 5 نوفمبر سنة 1858، على فتح الاكتتابات العامة في أسهم الشركة العالمية، بفرنسا وغيرها من الأقطار الغربية.

अज्ञात पृष्ठ