मिस्र खादीवी इस्माइल
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
शैलियों
20
فكانت نتيجة ذلك جميعه، أن الجمهور القاهري، وعلى رأسه الخديو وأمراء بيته وأميراته، والباشوات، والسراة، أصبحوا يرون لذة حضور التمثيل المعروف بالميلودرام - أي المقترن التشخيص فيه بالغناء - من أشهى لذات الوجود؛ وأنهم أصبحوا يستقدمون، سنويا، جوقة أوروبية، خصيصا لهذا الغرض، وينفقون عليها مبالغ طائلة، تتجاوز حد المعقول، فقد قدر بعضهم ما صرف على أفراد إحدى تلك الجوقات في شتاء سنة من السنين بمبلغ 120 ألف جنيه، وليس في تقديره من مبالغة؛ فإن الممثلة الواحدة، من جهة، كانت تتقاضى، أحيانا، ألفا ومائة جنيه في الشهر، خلاف الجواهر والهدايا المقدمة لها.
ولا غرو: فالمستقدمون من أولئك الفنيين كانوا ملوك التمثيل والغناء في أوروبا، في تلك الأيام، وملكاتهما؛ كالتينور نودين والآنسة سارولتا، اللذين فتحت الأوپرا بهما؛ وكالمسيو لاروز، والمسيو تسييه والمسيو پيجوري، والمدامات پوطسوني ومديني، ومتس فرار، وبرت چيراردين، والآنسات دورتيه ولورنس وجيرار، ولا سيما مدام ماري صاص، التي كانت، علاوة على تفوقها في الفن، من أبدع النساء حسنا؛ وكالآنسة روسيل الممثلة المأساتية، التي مثلت في سنة 72 رواية «البند 47» ورواية «الفوميناچ» ورواية «أدريين ليكوڨرير» وروايتي «لادام أو كاملياه» و«السيد»؛ وكديلانوا، الذي مثل في السنة عينها رواية «الفوبونزوم» ورواية «نوزنتم» ورواية «الريڨليون»، ومن جهة أخرى، فإن كل جوقة كانت تشتمل عادة، على ثمانين راقصة ، معظمهن، ميلانيات، من أجمل نجوم المسارح.
وبلغ من تفنن مديري الكوميديا والأوپرا في إرضاء الجمهور، أنهم أخذوا يستقدمون، أيضا، نقادين فنيين، ليكتبوا المقالات الانتقادية الجميلة في التمثيل والممثلين، فيعملوا على تحسين الفن وترقية كفاءة القائمين به.
واشتهر، من بين أولئك النقادين، المدعو فيلپي، ذو الشعر الطويل المسترسل؛ لا لأنه كان أكفأهم، ولكن لما حمله الطمع عليه من وقاحة سمجة، فمع أنه منح 20 ألف فرنك، أجرة لسفره، فقط، وتحملت الأوپرا مصاريف إقامته كلها، بالغة ما بلغت، فقد أبى إلا استغلال الممثلات، وحملهن على شراء سكوته عن هجوهن بمال يدفعنه إليه، ولما وجد منهن إعراضا، وعدم مبالاة، تحول إلى زمرة آلات الطرب (الكوريست)؛ وأخذ يطعن عليهم طعنا مرا، فما كان منهم، ذات ليلة، إلا أنهم هاجموه، وقطعوا شعره المسترسل - وكان شعرا كاذبا - وقذفوه ببياض البيض وصفاره، وقشر البرتقال؛ وأهانوه إهانة لم يجد معها بدا من الرحيل إلى بلاده.
21
وأما مديرو المسرحين - أي الكوميديا والأوپرا - المتفننون في سبيل إرضاء الجمهور القاهري فأولهم درانيت باشا، المعروف باسم پاولينو - وقد أطلق اسمه هذا على شارع وحي من شوارع قسم محرم بك بالإسكندرية، وأحيائه - كان صيدليا يونانيا في خدمة الدكتور تينارد الفرنساوي، فأدناه هذا من (محمد سعيد باشا) وأدخله في خدمته، فما لبث أن أنعم عليه بلقب بك، فقلب پاولينو اسم الدكتور أستاذه، وجعله «درانيت» وتسمى به؛ وظل في خدمة (سعيد) حتى آخر لحظة من حياته.
يقول المسيو كارل دي پريير في كتابه «باريسي في مصر»: «إن قوة درانيت الكبرى، بجانب ذكائه الذي لا ينكر، هي أنه عالج المرحوم (محمد سعيد باشا) عم الخديو وسلفه، في احتضاره، ولم يفارقه حتى آخر لحظة من حياته، ولم يكن أحد غيره يقدر على الدنو منه».
22
فعينه (إسماعيل) مديرا لمصلحة السكة الحديدية، مكافأة له على ذلك، ولما تأسس المسرحان، عينه مديرا لهما، وقلما كنت تراه، أو كان يقابلك، إلا باسما باشا، مهما كانت مهمتك لديه، فبات لا يستطيع أحد قراءة ما في ضميره، وتمكن، بذلك، من اقتناء ثروة طائلة.
अज्ञात पृष्ठ