मिस्र खादीवी इस्माइल

इलियास अय्यूबी d. 1346 AH
175

मिस्र खादीवी इस्माइल

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

शैलियों

17

ويروي بلتزوني، الرحالة البحاثة الإيطالي الشهير، عن أحد مهزاري (محمد علي) أنه أراد التنكر يوما، للمزاح؛ فحلق لحيته وحضر إلى مجلس مولاه، فلم يعرفه في بادئ الأمر؛ ولكنه لما عرفه، أغرق في الضحك، حتى كاد يستلقي على ظهره؛ وجاد عليه ببعض المال. على أن المهزارين رفاقه، أبوا بعد ذلك أن يجالسوه على مائدة أو يخالطوه مطلقا، لزعمهم أنه بحلقه لحيته ارتكب شيئا بات لا يؤهله لأن يكون واحدا منهم، وذلك لأنهم كانوا يعتبرون مخنثا كل من حلق لحيته وشاربيه.

18

وتغيرت ثانيا، كيفية حياة الأغنياء اليومية، فإنهم كانوا، حتى أيام (إسماعيل) الأولى، ينهضون من النوم مبكرين، فيصلون صلاة الصبح، ثم يفطرون ويشربون القهوة، ويدخنون الشبك؛ فيهبون، بعد ذلك، ويلبسون ملابسهم، ويركبون جيادهم، ويخرجون إما للزيارات أو للتسوق؛ وإما لمجالسة صديق حتى تأتي ساعة الغداء، وهي الثانية عشرة صباحا: فيعودون إلى منازلهم، ويتغدون؛ ثم يشربون القهوة، ويدخنون الشبك؛ ويدخلون بعد ذلك إلى دوائر حريمهم، فينامون ساعة أو ساعتين؛ ثم ينهضون، فيغسلون وجوههم أو يستحمون، ويتوضأون، ويصلون صلاة الظهر؛ وبعدها، يتكيفون - والتكيف عبارة عن غيبوبة المرء عن العالم المحسوس، ليعيش برهة غير قصيرة في عالم الأحلام والأماني، معيشة من يرى هذه الأماني والأحلام حقائق، ويستمرئ لذتها استمراء عميقا - فعندما ينتهون من التكيف، يشربون قهوة العصر، ويدخنون شبكا آخر؛ ثم يلعبون دور ضامة أو شطرنج مع أحد أصدقائهم أو أخصائهم، وبعدها، يصلون العصر، ويخرجون للتنزه، أحيانا، مشيا على الأقدام، وفي الغالب ممتطين جيادهم، وفي ركابهم حاملو شبكاتهم، وأمامهم سواسهم، فتزدحم بمواكبهم الأزبكية، فإذا عن لهم، نزلوا ودخنوا تحت أشجارها الباسقة؛ وإلا استمروا في تنزههم، يتفرج بعضهم على بعض؛ وتختلط، أحيانا، بموكبهم، عربة أحد كبار الباشوات المقربين؛ فيتفرجون عليها، ويتفرج الباشا عليهم منها، وكثيرا ما كانت تمر بهم الحمير والجمال، عليها السيدات، جالسات كما كنا نراهن، قبل عهد الترامواي؛ أي: مؤتزرات بحبرهن، وواضعات أرجلهن في ركاب قصير، بحيث تداني ركبهن بطونهن، ويهب الهواء عليهن، فينفخ في حبرهن، فيصرن كالبلونات، ولما تقرب الشمس من مغيبها؛ أي: حوالي الساعة الحادية عشرة، على الحساب العربي، يعودون إلى بيوتهم، فيصلون صلاة المغرب في وقتها؛ ثم يتعشون ويذهبون إلى القهوة التي يميلون إليها، لسماع الراوي يقص سيرة بني هلال وحروب أبي زيد ودياب والزناتي خليفة؛ أو أعمال فروسية عنترة بن شداد، والزير المهلهل وحرب البسوس؛ أو فعال سيف بن ذي يزن، وحيل علي الزيبق وأخاديعه أو يذهبون للسهر، ساعة أو ساعتين، عند بعض الأصدقاء، ويعودون فينامون مبكرين إلا إذا سهروا في فرح أو أقاموا يتمتعون بطراوة الليل، حينما يكسو القمر بأنواره أجنحة الدجى، فضة.

ولكن، بعد انتشار ملاهي المدنية الغربية وأسبابها؛ بعد تشييد الكوميديا والأوپرا الخديوية، واستقدام أكبر الممثلين والممثلات إليهما، وإقامة المراقص فيهما، علاوة على إدخال عادة الليالي الراقصة السنوية إلى الحياة القومية المصرية؛ بعد استيراد العربات بكثرة من أوروبا، حتى غصت بها شوارع القاهرة والإسكندرية، واقتناها معظم السراة فيهما؛ وبعد إقامة حفلات السباق للخيل والهجن في هاتين العاصمتين، وإنشاء حمامات حلوان، اندفع الأغنياء مع تيار الحياة الجديدة التي أوجدتها كل هذه المظاهر الحضرية، واتخذوا خلالا غير التي كانوا عليها.

أما الملاهي، فمن نوع الكازينات والقهوات الغنائية، المنشدة فيها غادات متفننات في سلب العقول والجيوب، كالتي أقيمت على سكة شبرا، وفي بعض نقط من ذلك الشارع، الذي أصبح - لا سيما في أيام العطلة والأعياد، وإلى أن أنشئ الشارع الموصل إلى الأهرام، ووصل بين بري الجيزة والجزيرة ومصر بالكوبريين الجميلين المنشأين في سنة 1872 - ملتقى كل من كان في العاصمة من ممثل للوجاهة، وكرم المحتد، ورفعة المركز، والجمال، والترف.

وأما الكوميديا والأوپرا، فإن الأولى شيدت بالأزبكية في 22 نوفمبر سنة 1867، وقد كان يوجد مكانها، ومكان الأوپرا أختها، بيوت صغيرة حقيرة، فاقترح (إسماعيل) على أصحابها أن يبيعوها له، فرضي بعضهم وأبى آخرون، ولكنه حدث أن حريقا التهم فيما بعد بيوت الرافضين، فاشترى الخديو منهم الأرض بالثمن عينه الذي كان عرضه عليهم في البيوت وهي قائمة وشرع يبني مسرحية فوقها، واحتفل بافتتاح الكوميديا في مساء 4 يناير سنة 1868، فكأن إنشاءها، وتأسيسها، وتجهيزها، وإقامة أول تمثيل فيها - كل ذلك تم في ظرف شهر واثني عشر يوما،

19

ومع أنها كانت، في بادئ أمرها، عبارة عن بناء خشبي، فإن إبرازها إلى الوجود بمثل هذه السرعة لم يكن يخلو من شيء، يعجب له، إعجابا كبيرا، فزيادة على ما استوجبه من الدقة المدخلان اللذان عملا فيها: (أحدهما) حديدي، على الشمال، للخديو؛ و(الآخر) حديدي، كذلك، على اليمين، للحرم المصون، وأميرات البيت المالك، فإن داخل ذلك المسرح كان فخما جدا، مزينا بأبهى الرسوم، وباديا على كل شيء فيه بذخ فائق، لا سيما في كل ما كان يتعلق بلوج الخديو والألواج الثلاثة المغطاة المعدة لأميرات أسرته.

وأما الثانية؛ أي: الأوپرا، فقد بنيت في السنة التالية، في ظرف خمسة شهور؛ وبلغت تكاليفها 160 ألف جنيه، فظهرت، من الخارج ومن الداخل، في المظهر الفخم الذي لا تزال تتجلى لنا فيه، وكلف (إسماعيل) ڨردي، المؤلف الموسيقي الإيطالي، الطائر الصيت، بوضع رواية تناسب المكان والمقام، للاحتفال بافتتاحها، بحضور الإمبراطورة أوچيني، القادمة لترأس حفلات فتح ترعة السويس، فنظم ڨردي روايته الشهيرة المسماة «بعائدة»، وقامت مدام پوطسوني، المغنية البديعة الجمال الأسمر، بتمثيل دور الأميرة الحبشية، فيها، باختيار ڨردي نفسه، وبلغ من إتقانهم المظاهر التمثيلية، أنهم أنفقوا نيفا وخمسمائة وخمسين ألف فرنك؛ منها 12 ألفا للشعر الصناعي، فقط؛ وذلك خلاف ما أعطي لجوقة آلات الطرب (الأركستر) والممثلين (الأرتست)؛ وخلاف ما جاد به كرم (إسماعيل) على الأستاذ ڨردي، وقدره 150 ألف فرنك.

अज्ञात पृष्ठ