मिस्र फी मतलाक क़र्न तासी कशर
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
शैलियों
غير أن خورشيد أصر على أن ينكص الألفي على عقبيه مرتدا إلى جرجا حسب الاتفاق بينهما إذا كان لا يزال طائعا وممتثلا، وله كما كان الولاية والحكم بالإقليم القبلي، ومع ذلك فإنه لم تمض أيام قلائل حتى جاءت الأخبار في 24 يونيو بوصوله إلى ناحية بني سويف وعثمان بك حسن في مقابلته بالبر الشرقي، ولما كان يعتقد أن القاهريين موالون له، فقد أراد تحريك المشايخ والعلماء رؤسائهم لمناصرته، بادعائه أنه لم يقصد من الحضور سوى رفع المظالم وتأمين القاهريين وباستغلاله لحادث الإهانة التي لحقت بالست نفيسة المرادية وسائر حريم البكوات، والتي كانت من عوامل زيادة السخط على خورشيد.
وعلى ذلك، فقد بعث برسول وصل القاهرة في 27 يونيو يحمل كتابا للمشايخ والعلماء كان بمثابة نداء سجل مضمونه الشيخ الجبرتي، وجاء فيه - موجها الخطاب إلى المشايخ: «لا يخفاكم أننا كنا سافرنا سابقا؛ - أي إلى لندن - لقصد راحتنا وراحة البلاد ورجعنا بأوامر، وحصل لنا ما حصل - مشيرا إلى مطاردة البرديسي ومحمد علي له - ثم توجهنا إلى قبلي واستقرينا بأسيوط بعد حصول الحادث بين إخواننا الأمراء والعسكر وخروجهم من مصر - أي القاهرة - وأرسلنا إلى أفندينا الباشا بذلك فأنعم علينا بولاية جرجا ونكون تحت الطاعة فامتثلنا ذلك وعزمنا على التوجه حسب الأمر، فبلغتنا مصادرة الحريم والتعرض لهم بما لا يليق من الغرائم وتسليط العساكر عليهم ولزومهم لهم فثنينا العزم واستخرنا الله تعالى في الحضور إلى مصر لننظر في هذه الأحوال، فإن التعرض للحريم والعرض لا تهضمه النفوس.» وهذا عدا كلام كثير في هذا المعنى.
وأطلع المشايخ خورشيد على رسالة الألفي، ولكن خورشيد ظل متمسكا بموقفه منه، ودفع حجته بقوله إن البكوات كانوا قد تركوا في الماضي نساءهم للفرنسيين، وأخذ هؤلاء منهم أموالا، وأنه كان قد أعطى للألفي جرجا ولعثمان حسن قنا وما فوق ذلك من البلاد، وكان في عزمه أن يكتب للدولة ويطلب لهم أوامر ومراسيم لاعتماد ما فعله لهم ولضمان راحتهم «فحيث إنهم لم يرضوا بفعله وغرتهم أمانيهم فليأخذوا على نواصيهم.»
وكتب «مسيت» في 28 يونيو يبرر في الحقيقة موقف خورشيد من الألفي فقال: إن الألفي على العكس مما كان يقتضيه واجب «المعاهدة المبرمة أخيرا بينه وبين خورشيد» قد دخل في نوع من التحالف مع عثمان حسن لامتلاك القاهرة سويا، وإنهما يمنيان النفس بسهولة الاستيلاء عليها بسبب الخسائر التي تكبدها الأرنئود والبكوات إبراهيم والبرديسي وبسبب تذمر أهل القاهرة من حكومة خورشيد، ونزل الألفي ومماليكه إلى ما تحت الأراضي المعينة له بمقتضى اتفاقه مع خورشيد؛ ولذلك فقد اعتبر الأخير أن الاتفاق السابق بينهما قد صار ملغى.
ومن أوائل يوليو انفصمت كل علاقة بين خورشيد والألفي، فقتل خورشيد رسولا أوفده الألفي إليه 3 يوليو، وأنقذ أحد كبراء الأرنئود اثنين من أتباع الألفي في القاهرة من قبضته، ورأى الألفي من الحكمة الآن أن يتحد مع سائر البكوات، وكان الوكلاء الفرنسيون قد ذكروا في نشرتهم الإخبارية عن حوادث «20-29 يونيو»، أنه يبدو أن البكوات «جماعة إبراهيم والبرديسي» قد وصلتهم تأكيدات قاطعة بمعاونة الألفي الكبير والألفي الصغير وعثمان بك حسن لهم، والمتوقع أن هؤلاء في طريق زحفهم على القاهرة، فالألفيان على الشاطئ الأيسر للنيل على مسيرة يوم من الجيزة، وعثمان حسن على الشاطئ الأيمن عند طره، «ولو أنه لا يعرف بعد ما إذا كان الألفيان قد حضرا لتأييد قضية المماليك عموما أو لخدمة مآربهما الخاصة دون نظر لصالح سائر البكوات»، وبالفعل لم يلبث أن عرف في القاهرة في 5 يوليو أن الألفي الصغير قد وصل إلى إمبابة وعثمان بك حسن إلى حلوان، والألفي الكبير إلى الشوبك، وأن إبراهيم والبرديسي وباقي البكوات قد رجعوا إلى ناحية بنها بعدما طافوا المنوفية والغربية وقبضوا الكلف والفرد.
واتخذ محمد علي وخورشيد تدابيرهما لمواجهة هذه القوات التي تبغي الإطباق على القاهرة من كل جانب، فخرج كثير من الجند لتعزيز معسكر شلقان، كما خرج آخرون إلى ناحية طرة والجيزة، وجاءت الأخبار بوصول «الدلاة» الذين كان قد بعث خورشيد يستقدمهم من الشام لنجدته، وهم من الفرسان؛ أي القوة، أو السلاح الذي يفتقر إليه جيش خورشيد، وكانوا من الأكراد سموا بالدلاة أو الدلاتية؛ أي المجانين بسبب ما اشتهروا به من تهور وبطش، وبنى خورشيد لذلك آمالا كبيرة على الانتفاع بهم في الوقت الذي دأب فيه الأرنئود على تعطيل العمليات العسكرية بسبب مرتباتهم.
واشتبك الأرنئود - بقيادة محمد علي وحسن بك خصوصا - مع المماليك في عدة معارك ومناوشات في طرة والبساتين والمطرية وخارج أبواب القاهرة ذاتها، وأحرز البكوات نصرا هاما عندما شتتوا شمل «الدلاة» عند قطية، ولكن «محمد علي» لم يلبث أن هزم جماعة الألفي الصغير في طرة (18 يوليو) وجماعة البرديسي في شبرا بعد أن تكبد الأرنئود خسارة كبيرة وكاد ينتصر المماليك عليهم، ثم وقعت معركة شلقان، وكانت مراكز المماليك بقيادة حسين الزنطاوي مع جنده السود ومشاته ومدفعيته تستند على النيل بالقرب من شلقان، بينما وقف إبراهيم بك في الوسط، وكانت الميسرة بقيادة البرديسي، فهاجم محمد علي قرية شلقان في ليل 22-23 يوليو واستولى عليها، وانهزم المماليك فانسحبوا «إلى جهة الشرق بالخانكة وأبي زعبل»، وفي 26 يوليو ترك البكوات الخانكة فجروا خلف القلعة والجبل في طريق انسحابهم إلى الصعيد، ووضعت معركة شلقان حدا لنشاطهم العسكري، وبدأ ينفك الحصار عن القاهرة.
وكان البكوات القبالي في أثناء العمليات العسكرية السابقة قد حاولوا توسيط المشايخ في الصلح مع خورشيد «وإخماد الحرب»، ووعدوا بالانضمام إليه وبأن يكونوا معه إذا هو فعل ذلك «على ما يحب ويأمر به، فيرتاح من علوفة العسكر التي أوجبت له المصادرات وسلب الأموال وخراب الإقليم»، فيستطيع عندئذ الاكتفاء بعدد قليل من الجند ويبعد الآخرين إلى بلادهم، ولكن خورشيد «أبى وقال ليس لهم عندي إلا الحرب» (13 يوليو) ثم حاول إبراهيم والبرديسي الصلح مع خورشيد وتوسيط أحد أعيان القاهريين «السيد بدر المقدسي» في ذلك، بدعوى أن خورشيد «لا يستقيم حاله مع العسكر ولا يرتاح معهم» ومن واجبه أن يعتبر بما فعلوه مع محمد باشا «خسرو»، وأما هم فيكونون معه على ما ينبغي من الطاعة والخدمة»، فقبض خورشيد على السيد بدر ولم يطلق سراحه إلا بعد أن شفع فيه المشايخ (أول أغسطس) ولما كان النهر قد بدأ في الارتفاع بسبب الفيضان، فقد استمر البكوات ينسحبون إلى الصعيد، وتم انفكاك الحصار عن القاهرة، وأخفقت محاولات البكوات في الاستيلاء عليها نهائيا.
وخيل إلى القاهريين بعد انسحاب المماليك ورفع الحصار عن القاهرة أن بوسعهم الآن أن يتنفسوا الصعداء، ولكن الأرنئود العائدين إلى القاهرة بعد انتهاء العمليات العسكرية، وبعض عسكر «الدلاة» الذين استطاعوا الوصول إلى القاهرة كذلك بعد هزيمتهم على يد المماليك في قطية، ما لبثوا أن نشروا «إرهابا» حقيقيا في العاصمة؛ بسبب اعتداءاتهم على سكانها من وطنيين وأجانب على حد سواء، حتى كتب «تابرنا» سكرتير البعثة الإنجليزية في القاهرة إلى «مسيت» بالإسكندرية في 23 أغسطس سنة 1804، أن حوادث القتل صارت تقع يوميا، ويكثر نهب البيوت، وصار من الخطر أن يخرج إنسان إلى الشارع، بل ولا يأمن الأهلون على أنفسهم حتى وهم قابعون في بيوتهم، وضج الأهلون بالشكوى وعظم التذمر، وقد ترتب على هذه الفوضى وهذا الذعر أن كبار المشايخ والأعيان ما لبثوا أن ذهبوا إلى «تابرنا» في 25 أغسطس يطلبون توسط الحكومة الإنجليزية لنجدتهم، «لأنها وحدها التي في وسعهم أن ينتظروا منها إقبالا على مساعدتهم وتخفيف ويلاتهم.»
وطلب المشايخ من الحكومة الإنجليزية «أن ترسل جندا إلى مصر لإنقاذ أهلها من الفناء»، وقالوا إنهم لا يمتنعون عن طلب هذه النجدة من فرنسا إذا تعذر عليهم الحصول عليها من إنجلترا، وكان من رأي «تابرنا» على نحو ما كتب في رسالة أخرى إلى «مسيت» في 26 أغسطس أن خورشيد باشا عاجز كل العجز عن فعل شيء مع هؤلاء الأرنئود «العصاة» مصدر كل هذه المتاعب.
अज्ञात पृष्ठ