मिस्र फी मतलाक क़र्न तासी कशर
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
शैलियों
وكان لانشقاق هؤلاء - ومن تبعهم من الكشاف والفرسان المماليك - آثار كبيرة، من حيث إن هذه الحركة، زيادة على إحباطها خطة الهجوم الذي كان البكوات قد اعتزموا القيام به، قد أضعفت مركز شاهين الألفي، الذي أخذ يفقد احترامه بين جماعته وبين سائر زملائه البكوات، وضاع نفوذه رويدا رويدا بينهم، وتشجع آخرون على مغادرة معسكر البكوات والانضمام إلى محمد علي، وأتيحت الفرصة للباشا لإشاعة الانقسام مرة أخرى في صفوفهم، وهو على وشك الالتحام معهم في معركة اللاهون الفاصلة، وآثر شاهين الألفي نفسه في آخر الأمر التسليم لمحمد علي والصلح معه، على نحو ما سيأتي ذكره كله.
ولقد كان بسبب خطورة حادث الانشقاق هذا، وما يكشفه من مدى ما وصل إليه تخاذل البكوات وتفاشلهم من ناحية، وبراعة محمد علي في توسيع شقة الخلاف بينهم، أن سجل الشيخ الجبرتي تفاصيله، وغني عن البيان أن الشيخ وإن كان أمينا في نقله ما حدث بدقة بالغة، وتتفق روايته جملة وتفصيلا ما ذكره المعاصرون، وضمنه الوكلاء الفرنسيون تقاريرهم، فإنه كان بعيدا كل البعد عن الاغتباط لما حدث، بل وآلمه أن يفشل البكوات في حزم أمرهم في ساعتهم العصيبة، وأن تغتر فئة منهم بوعود محمد علي الخلابة والكاذبة في نظر الشيخ، وهو الذي لم يكن قصده - كما اعتقد الشيخ أيضا - من مسعى الصلح مع البكوات واستمالتهم إلى العيش في كنفه بالقاهرة إلا كسر شوكتهم ثم الإجهاز عليهم عند سنوح أول بادرة والفتك بهم، ويتفق الشيخ في عدم الثقة بمحمد علي أصلا وإطلاقا مع إبراهيم بك الكبير خصوصا.
وها هي ذي روايته عن حادث انشقاق نعمان بك ويحيى بك وأمين بك الألفي. «وفي عشرينه؛ أي 20 جمادى الأولى 1225 / 23 يونيو 1810، ظهر التفاشل بين الأمراء المصريين، وتبين أن الذين كانوا عدوا إلى البر الشرقي هم ثلاثة أمراء من الألفية وهم نعمان بك وأمين بك ويحيى بك، وذلك أنهم لما تصالحوا مع الباشا، وأميرهم شاهين بك وهو الرئيس المنظور إليه ومطلق التصرف في معظم البر الغربي والفيوم، ويتحكم فيهم وفي طوائف العربان وأهالي البلاد والفلاحين بما يريد، وكذلك أموال المعادي بناحية الأخصاص وإنبابة والخبيري (المعادي) وغير ذلك، وهو شيء له قدر كبير، زاد فيهم أيضا أضعاف المعتاد، فيأخذ جميع ذلك ويختص به، وذلك خلاف إنعامات الباشا عليه بالمئين من الأكياس، ويشتري المماليك والجواري الحسان، ولا يدفع لهم ثمنا، فيشكون إلى الباشا فيدفعه إلى اليسرجية من خزينته وهو منشرح الخاطر، وإخوانه يتأثرون لذلك، وتأخذهم الغيرة ويطمعون في جانبه، وهو يقصر في حقهم ولا يعطيهم إلا النزر من المن والتضجر، وفيهم من هو أقدم منه هجرة، ويرى في نفسه أنه أحق بالتقدم منه، ولما دنت وفاة أستاذهم (محمد الألفي الكبير) أحضر شاهين بك وسلمه خزينته، وأوصاه بأن يعطي لكل أمير من خشداشينه سبعة آلاف مشخص، ولم يعطهم، وطفق كلما أعطاهم شيئا حسبه عليهم من الوصية، حتى إذا أعطى البلك والبنش لنعمان بك مثلا يعطيه له أنقص من بنش أمين بك نصف ذراع، ويقول هو قصير القامة، ونحو ذلك، فيحقدون ذلك عليه، ويشتكون من خسته وتقصيره، ويعلم الباشا ذلك.
فلما نقض شاهين بك عهده، وانضم إلى المخالفين (وترك الباشا)، وخشداشينه المذكورون معه بالتنافر القلبي، راسلهم الباشا سرا ووعدهم ومناهم بأنهم إذا حضروا إليه وفارقوا شاهين بك الخائن المقصر في حقهم، أنزلهم منزلة شاهين بك وزيادة، واختص بهم اختصاصا كبيرا، فمالت نفوسهم لذلك القول، واعتقدوا بخسافة عقولهم صحته ، وأنهم إذا رجعوا إليه هذه المرة ونبذوا المخالفين، اعتقد صداقتهم وخلوصهم، وزاد قدرهم ومنزلتهم عنده.
وتذاكروا عند ذلك ما كانوا فيه مدة إقامتهم بمصر من التنعم والراحة في القصور التي عمروها بالجيزة، والبيوت التي اتخذوها بداخل المدينة (القاهرة)، والرفاهية والفرش الوطيئة، وتحركت غلمتهم للنساء والسراري التي أنعم عليهم الباشا بها، وقالوا: ما لنا والغربة وتعب الجسم والخاطر والانزعاج والحروب والإلقاء بنفوسنا في المهالك، وعدم الراحة في النوم واليقظة، فردوا الجواب بالإجابة، وتمنوا عليه أيضا ما حاك في نفوسهم بشرط طرح المؤاخذة، والعفو الكامل بواسطة من يعتمد صدقه.
فأجابهم الباشا لكل ما سألوه وتمنوه بواسطة مصطفى كاشف المورلي، وهو معدود سابقا منهم، وانفصل عنهم وانتمى إلى كتخدا بك وصار من أتباعه.
فعند ذلك شرعوا في مناكدة أخيهم شاهين بك ومفارقته، وعقدوا معه مجلسا، وقالوا له: قاسمنا في ربع المملكة التي خصونا بها في القسمة التي شرطوها، فإننا شركاؤك، فإن إبراهيم بك قسم مع جماعته، وكذلك عثمان بك حسن وعلي بك أيوب، فقال لهم: وما هو الذي ملكناه حتى أقاسمكم فيه؟ فقالوا: أنت تجحف علينا، وتختص بالشيء دوننا، فإننا لما اصطلحنا معك مع الباشا، وصرفك في البر الغربي اختصيت بإيراده، وهو كذا وكذا دوننا، ولم تشركنا معك في شيء، ولولا أن الباشا كان يراعينا ويواسينا من عنده لمتنا جوعا، فنحن لا نرافقك ولا نصحبك ولا نحارب معك حتى تظهر لنا ما نقاتل معك عليه، وتزايدوا معه في المكالمة والمعاتبة والمفاقمة، ثم انفصلوا عنه، ونقلوا خيامهم إلى ناحية البحر، واعتزلوه وفارقوا عرضى الجميع.
فلما علم بذلك إبراهيم بك الكبير تنكد خاطره وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ أي شيء هذا الفشل وخسافة العقل والتفرق بعد الالتئام والاجتماع! وذهب إليهم ليصالحهم، ويضمن لهم كل ما طلبوه وطمعوا فيه عند تملكهم، وقال لهم: إن كنتم محتاجين في هذا الوقت لمصرف، أنا أعطيكم من عندي عشرين ألف ريال، اقسموها بينكم وعودوا لمضربكم معنا، فامتنعوا من صلحهم مع شاهين بك، فرجع إبراهيم بك يريد أخذ شاهين بك إليهم، فامتنع من ذهابه إليهم، وقال: أنا لست محتاجا إليهم، وإن ذهبوا قلدت أمراء خلافهم، وعندي من يصلح لذلك ويكون مطيعا لي دونهم، فإن هؤلاء يرون أنهم أحق مني بالرياسة.
والجماعة شرعوا في التعدية، وانتقلوا إلى البر الشرقي، وحال البحر بين الفريقين، ووصل إليهم مصطفى كاشف المورلي بمرسوم الباشا، واجتمعوا معه عند عبد الله آغا المقيم بناحية بني سويف، وضرب لهم شنكا ومدافع، ثم إنهم عزموا على الحضور إلى مصر (القاهرة)، فوصلوا في يوم الخميس (25 جمادى الأولى و28 يونيو) وخلع عليهم وأعطاهم تقادم، ورجعوا إلى مضربهم بناحية الآثار، وصحبتهم ستة عشر من كشافهم، والجميع يزيدون عن المائتين، وأنعم عليهم الباشا بمائتي كيس، لكل كبير من الأربعة (والمتواتر أنهم أربعة ولم نعرف هوية الرابع على وجه التحقيق) عشرون كيسا، ومائة وعشرون كيسا لبقيتهم.
واشتروا دورا واسعة، وشرعوا في تعميرها وزخرفتها على طرف الباشا، فاشترى أمين بك دار عثمان كتخدا المنفوخ بدرب سعادة، من عتقائه، ودفع له الباشا ثمنها، وأمر لكل أمير منهم بسبعة آلاف ريال ليصرفها فيما يحتاج إليه في العمارة واللوازم، وحولهم بذلك على المعلم غالي، ولما تحقق شاهين بك انفصالهم قلد أربعة من أتباعه أمرياتهم، وأعطاهم بيرقا وخيولا، وضم لهم مماليك وطوائف.
अज्ञात पृष्ठ