310

मिस्र फी मतलाक क़र्न तासी कशर

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

शैलियों

وفي 21 أغسطس ركب السيد عمر مكرم والمشايخ وأهل الأزهر وغيرهم، وتبعهم الأطفال، «واجتمع عالم كثير، وذهبوا إلى الجامع المذكور، بمصر القديمة، وصعد الشيخ جاد المولى على المنبر وخطب بعد أن صلى صلاة الاستسقاء، ودعا الله، وأمن الناس على دعائه، وحول رداءه، ورجع الناس بعد صلاة الظهر، وبات السيد عمر مكرم هناك، وفي تلك الليلة رجع الماء إلى محل الزيادة الأولى، واستتر الحجر الراقد بالماء»، ثم أشار بعض الناس في اليوم التالي (22 أغسطس) بإحضار الرؤساء الدينيين للقبط وطوائف اليونان والأرمن، والمسيحيين اللاتينيين من إرسالية الأرض المقدسة، والمبشرين الكاثوليك، والمارونيين واليهود الربانيين، فخرجوا جميعا إلى الجامع، وحضر المعلم غالي، ومن يصحبه من الكتبة الأقباط وجلسوا في ناحية من المسجد، يشربون الدخان، وانفض الجمع أيضا، وفي تلك الليلة زاد الماء ونودي بالوفاء وفرح الناس. وفي 23 أغسطس حضر الباشا والقاضي واجتمع الناس، وكسروا السد، وجرى الماء في الخليج، ولو أنه كان جريانا ضعيفا.

على أنه وإن كان قد انقضى بسلام أول احتكاك بين المشايخ والباشا، فقد كان من الواضح أن عوامل السخط والتذمر قد أخذت تتجمع في أوساط المشايخ، بسبب حرمانهم من إعفاءاتهم السابقة، في مسموحهم، وتهديد الباشا لهم بتجريدهم من حصصهم، ثم ما اتضح لهم من فقدان كل نفوذ لهم لدى حكومته، مع اتخاذ الباشا لهم أدوات طيعة لتوزيع المغارم والسلف على الأهلين، واستخدامهم في حمل هؤلاء على دفعها، وإرهاقهم هم أنفسهم بمطالبه المالية المتكررة، بالصورة التي سبق بيانها عند الكلام عن أساليب محمد علي المالية.

وانقسم المشايخ في حال سخطهم وتذمرهم، وفي موقفهم من حكومة الباشا عموما إلى فريق، انتهز فرصة هذا التذمر للفوز بمآربه الذاتية ونفعه الخاص على حساب الجماعة بالزلفى لدى الباشا والسعي في حق منافسيه على مكان الصدارة الذي أراد الاستئثار به لنفسه فحسب، وفريق خيل إليه الوهم أنه قد آن الأوان لمناقشة الباشا الحساب، ووقف مظالمه، والحد من سلطان حكومته، بفرض المشورة عليه فرضا، وإلزامه باتباع النصيحة إلزاما، وانفرد يتزعم هذه المعارضة السيد عمر مكرم في الظروف التي سيأتي ذكرها، ثم فريق ثالث، كان يتألف من المشايخ من غير المتصدرين، الذين وإن كانوا متذمرين وساخطين، فقد آثروا الصمت وعدم الجهر بتذمرهم وسخطهم، اللهم إلا بين أصدقائهم وخاصتهم. (4) المعارضة الصامتة: عبد الرحمن الجبرتي

ويمثل فريق هذه المعارضة الصامتة، الشيخ عبد الرحمن الجبرتي، صاحب التاريخ المسمى «عجائب الآثار في التراجم والأخبار»، انحدر من سلالة اشتهر أفرادها بالعلم والفضل، ونشأ في بيئة علمية وثقافية، وكان أهله أصحاب ثراء وافر، فخالط خيار القوم، وتلقى الدروس عن أكابر الأشياخ، ومارس شئون الحياة الدنيا، وعرف الكثير عن أخبار قارئي العلم في الأزهر الشريف، وفي غيره من الجوامع، وعن كبار البكوات المماليك وصغارهم، والباشوات العثمانيين، وأرباب الدولة عموما، وقد حفزه على الاستفاضة من هذه المعرفة خصوصا، اهتمامه بالتأريخ لهم، وتسجيل الحوادث التي وقعت في هذه البلاد، سواء ما وصله خبره منها مما لم يحضره، أو ما شاهده منها بنفسه، وقد تحدث الشيخ عن الدافع له على تدوين هذه الحوادث، والطريقة التي اتبعها في تسجيلها، مما يسهل معرفته بالرجوع إلى ما كتبه عن ذلك في «تاريخه»، وأغرم الشيخ بالتاريخ، فقرأ كثيرا من كتبه، واستخلص منه عظات وعبرا جمة، وأفاده حسن انتباهه ودقة ملاحظته لما كان يجري من وقائع في عصره، لتبويبها وتسجيلها في تاريخه في فهم التاريخ وأغراضه ومراميه كصورة صادقة للحوادث من جهة، ووصف صحيح لطبائع الخلق وصفات الأفراد الذين اشتركوا في هذه الحوادث، فتحرى الدقة في كل ما سجله منها، وصار له رأي في نشأة المجتمع الإنساني، ووظائف الحكام، وواجباتهم، وراح على ضوء المبادئ التي أخذ بها في أصول الحكم وأسبابه وغاياته، ينقد أساليب الحكام، ويعرض الآثار التي ترتبت على مسلكهم في الحكم وسياسة شئون الرعية، ولم يفته بيان موقف هذه الرعية من مختلف الأحداث التي شهدوها، ورد الفعل الذي وقع بينهم نتيجة لها. (4-1) بيئته ونشأته

وينتسب أجداد الشيخ إلى مسلم بن عقيل بن أبي طالب - رضي الله عنه - جده السابع، والذي ينتهي علم الشيخ إليه، هو زين الدين عبد الرحمن الجبرتي، ارتحل من جبرت من بلاد زيلع بأرض الحبشة، إلى جدة ، ثم انتقل إلى مكة التي جاور بها وحج مرارا، ثم جاور بالمدينة المنورة سنتين، ولقي من لقي بالحرمين من الأشياخ وتلقى عنهم، ثم رجع إلى جدة، وكان حضوره إلى مصر من طريق القلزم في أوائل القرن العاشر للهجرة، والسادس عشر للميلاد، فجاور بالأزهر، وتولى شيخا على رواق الجبرتية، وخلفه على مشيخة الرواق ولده شمس الدين محمد، وكان صالحا عالما وصاحب كرامات، أقرأ دروسا في الفقه والمعقول، ثم خلفه على المشيخة بعد وفاته، ابنه الشيخ نور الدين علي، وقد نشأ هذا أيضا على قدم أسلافه في ملازمة العلم والعمل، وصار له شهرة وثروة، وتزوج زينب الجوينية ابنة القاضي عبد الرحيم الجويني، وكان ذا ثراء، وأنجب الشيخ نور الدين علي، الشيخين: حسن جد والد صاحب «عجائب الآثار»، وعبد الرحمن، وقد توفي سنة تسع وثمانين وألف (1678)، وأما حسن فقد عاش حتى سنة سبع وتسعين وألف (1686)، «وكان لزينب الجوينية أماكن جارية في ملكها وقفتها على ولدي زوجها المذكورين.»

وأخذ الشيخ حسن الجبرتي عن أشياخ عصره من أهل القرن الحادي عشر الهجري، كالبابلي والأجهوري والزرقاني وسلطان المزاحي والشبراملسي والشهاب الشوبري، وتفقه على الشيخ حسن الشرنبلالي الكبير ولازمه ملازمة كلية، وأعقب الشيخ حسن، برهان الدين إبراهيم، وكان هذا عند وفاة أبيه رضيعا، فكفلته والدته الحاجة مريم بنت الشيخ محمد بن عمر المنزلي الأنصاري، فنشأ أيضا نشئا صالحا، تزوج ستيتة بنت عبد الوهاب أفندي الدلجي، وبنى بها في ربيع أول سنة ثمان ومائة وألف (أكتوبر 1696)، وأعقب نور الدين حسن الجبرتي والد الشيخ عبد الرحمن، وقد توفي بعد ولادة ابنه بشهر واحد، وذلك في سنة عشر ومائة وألف (1698).

وقامت بتربية نور الدين والدته بكفالة جدته أم أبيه، الحاجة مريم، ووصاية الشيخ محمد النشرتي شيخ الأزهر حينئذ، وقرروه في مشيخة الرواق كأسلافه، والمتكلم عنه الوصي المذكور، فتربى في حجورهم حتى ترعرع، وأخذ العلم عن أشياخ العصر، كالشيخ حسن الشرنبلالي ابن الشرنبلالي الكبير، والمشايخ: السيد علي السيواسي الضرير، وأحمد التونسي المعروف بالدقدوسي، وعلي العقدي، ومحمد بن عبد العزيز الزيادي والشهاب أحمد بن مصطفى الإسكندراني الشهير بالصباغ، ومنصور المنوفي ومحمد السجيني الضرير، وغيرهم وغيرهم من أئمة ذلك الزمان، واشتغل بتجديد الخط وأتقن اللغتين الفارسية والتركية، ثم اهتم بدراسة الرياضيات، وبرع فيها، تلقى العلوم الرياضية والمعارف الحكمية والفلسفية على الشيخ حسام الدين الهندي والشيخ محمد الغلاني الكشناوي «وحضر إليه طلاب من الإفرنج وقرءوا عليه علم الهندسة، وذلك سنة تسع وخمسين (1746) وأهدوا له من صنائعهم وآلاتهم أشياء نفيسة وذهبوا إلى بلادهم ونشروا بها ذلك العلم من ذلك الوقت، وأخرجوه من القوة إلى الفعل»، وأعجب بعلمه الوالي أحمد باشا المعروف بكور وزير (1748-1750)، فكان يقول: «لو لم أغنم من مصر إلا اجتماعي بهذا الأستاذ لكفاني.» ومن نشاطه أنه عندما وقع الخلل في عام 1758 في الموازين والقبانين وجهل أمر وضعها ورسمها وظهر فيها الخطأ واختلفت مقادير الموزونات وترتب على ذلك ضياع الحقوق وتلاف الأموال، وفسد على الصناع تقليدهم الذي درجوا عليه فعند ذلك تحركت همته لتصحيح ذلك، وأحضر كبار القبانية والوزانين وأطلعهم على سر الصنعة ومكنونها، ووضع في ذلك كتابا سماه العقد الثمين فيما يتعلق بالموازين.

وكان الشيخ نور الدين حسن على علمه وفضله متواضعا لا يعرف التصنع في الأمور، ولا دعوى علم ولا معرفة ولا مشيخة على التلاميذ والطلبة، ولا يرضى التعاظم ولا تقبيل اليد، وله منزلة عظيمة في قلوب الأكابر والأمراء والوزراء والأعيان ويسعون إليه، ويذهب إليهم لبعض المقتضيات والشفاعات، ويرسل إليهم فلا يردون شفاعته ولا يتوانون في حاجة يتكلم فيها، وله عندهم محبة ومنزلة في قلوبهم زيادة عن نظرائه من الأشياخ لمعرفته بلسانهم ولغتهم واصطلاحهم، استشاره في سنة 1186ه / 1772 الأمير علي بك الدفتردار المعروف بكتخدا الجاويشية في أيهما الأفضل: تقليد الصحفية أو كتخدا الجاويشية، فأشار عليه بالثانية، فعمل برأيه.

وكانت للشيخ مكتبة يختلف إليها المشايخ والطلاب ويستعيرون منها ما يشاءون، أهداه السلطان مصطفى الثالث نفائس من خزائنه، وكذلك أكابر الدولة الروم ومصر وباشة تونس والجزائر، واجتمع لديه من كتب الأعاجم مثل الكلستان وديوان حافظ وشاه نامه، وتواريخ العجم وكليلة ودمنة ويوسف زليخا وغير ذلك . وكذلك الآلات الفلكية من الكرات النحاس وغيرها من الآلات الارتفاعية والميالات، وحلق الأرصاد والأسطرلابات والأرباع والعدد الهندسية، وأدوات غالب الصنائع، مثل النجارين والخراطين والحدادين والسمكرية والمجلدين والنقاشين والصواغ، وآلات الرسم والتقاسيم.

لازمه من المشايخ الذين توثقت أواصر الصداقة بينهم وبينه، محمد بن إسماعيل النفراوي، ومحمد الصبان، ومحمد عرفة الدسوقي، ومحمد الأمير، وعبد الرحمن العريشي، ومحمد الفرماوي وغيرهم، وتلقى عنه من أشياخ العصر محمد المصيلحي وحسن الجداوي وأحمد بن يونس ومحمد الخالدي الشافعي الشهير بابن الجوهري وغيرهم، وهذا إلى جانب من كان يعولهم من الأشياخ الناشئين والمهاجرين.

अज्ञात पृष्ठ