299

मिस्र फी मतलाक क़र्न तासी कशर

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

शैलियों

وكثر التفنن في أساليب طلب المال، فابتدعت حكومة الباشا إلى جانب ما سمته كلفة الذخيرة - في أغسطس 1808 - نوعا آخر من المغارم، في أبريل 1809، سمته الترويجة، وتفصيل ذلك أن الباشا أمر في أوائل أبريل بتحرير فرضة الأطيان، بزيادة الثلث على ما تقرر في العام السابق؛ لأن النيل في ذلك العام (أغسطس 1808) كان قد نقص نقصا كبيرا، فربطت الآن الضرائب على الأطيان، ورتبت في أربع مراتب، تزيد كل ضريبة عن الأخرى مائة نصف فضة، وبحيث جعل أعلاها ثمانمائة نصف فضة، ثم طلبت الحكومة جانبا معجلا من الضريبة، هو الذي أسموه بالترويجة، وهذا بالرغم من أن الفرضة الماضية بقي الكثير منها بالذمم لخراب القرى، وعجز الحكومة عن تحصيلها، وبالرغم من الضائقة التي حلت بالأهلين بسبب انعدام الغلال من الأسواق، نتيجة لنشاط حركة تصديرها إلى الخارج، إلى مالطة خصوصا؛ فقد تشحطت الغلال وغلا سعرها حتى بلغ الإردب القمح ألفا وستمائة نصف فضة، وعز وجوده بالرقع والعرصات، وأما السواحل فلا يكاد يوجد بها شيء من الغلة بطول السنة. وهكذا راح الشيخ الجبرتي يعلق على ذلك كله بقوله: ولولا لطف الله بوجود الذرة لهلكت الخلائق، ومع ذلك استمرار المغارم والفرض، حتى فرض الغلة عين، وكذلك تبن وجمال، وما ينضاف إلى ذلك، مما سمعته غير مرة، مما يطول شرحه.

وعندما أنفذ الباشا كبار قواده في تجريدة ضد البكوات في الصعيد في أغسطس 1809، وجاءته أخبار غير مطمئنة عن هذه التجريدة، اعتزم الذهاب بنفسه، فأمر للحصول على المال، في أوائل سبتمبر بتحرير دفتر فرضة ترويجة على إقليم المنوفية والغربية والشرقية والقليوبية، وذكروا أنها من أصل حساب الشهرية المبتدعة.

وفي أواخر أكتوبر من العام نفسه ابتكرت حكومة الباشا أسلوبا جديدا في تحصيل مال الأطيان، نتيجة لزيادة الفيضان زيادة كبيرة في هذه السنة، فحرروا دفتر الأطيان على ضريبة واحدة، عن كل فدان خمسة ريالات، غير البراني والخدم، ولم يحصل في ذلك مراجعة ولا كلام ولا مراجعة في شيء، كما وقع في العام الماضي والذي قبله في المراجعة بحسب الري والشراقي، وأما في هذه السنة فليس فيها شراقي، فحسابها بالمساحة الكاملة لعموم الري، فإن النيل في هذه السنة زاد زيادة مفرطة، وعلا على الأعالي، وتلف بزيادته المفرطة الدراوي والأقصاب بقبلي، وكذلك غرق مزارع الأرز والسمسم والقطن وجنائن كثيرة بالبر الشرقي بسبب انسداد الترعة الفرعونية بتلك الناحية، وكان الباشا وقتئذ بالصعيد يبغي بكوات المماليك على الاتفاق معه، والحضور إلى القاهرة للإقامة بها تحت إشرافه ومراقبته، فأرسل يطلب هذه الدفاتر ليطلع عليها، فسافر إليه بها المعلم غالي، وأخذ صحبته أحمد أفندي اليتيم من طرف الروزنامة، وعبد الله بكتاش الترجمان، فذهبوا إليه بأسيوط وأطلعوه عليها، فختم عليها.

وفي سنة 1810 حررت دفاتر الضريبة على الأرض، على حساب المساحة الكاملة، باعتبار أن الأرض قد رويت جميعها بسبب زيادة الفيضان، وقد سميت هذه البدعة بالقياسة؛ لكون المباشرين والكتبة قاسوا مساحة الطين الري، الذي ارتوى بمياه النيل، ولو أن بلادا كثيرة من إقليم البحيرة وغيره قد بقيت شراقي بسبب عدم حفر الترع وحبس الحبوس وتجسير الجسور، لانشغال الفلاحين والملتزمين بالفرض والإتاوات، وعجزهم عن القيام بذلك.

وفي 12 مارس 1810، طلب الباشا كتاب الأقاليم «وشرع في تقرير فرضة على البلاد بما يقتضيه نظره ونظر كشاف الأقاليم والمعلمين القبط، فقرروا على أعلاها ثمانين كيسا والأدنى خمسة عشر كيسا، ولم يتقيد بتحرير ذلك أحد من الكتبة الذين يحررون ذلك بدفاتر ويوزعونها على مقتضى الحال، ولم يعطوا بالمقادير أوراقا لملتزمي الحصص، كما كانوا يفعلون قبل ذلك، فإن الملتزم كان إذا بلغه تقرير فرضة، تدارك أمره، وذهب إلى ديوان الكتبة، وأخذ علم القدر المقرر على حصته وتكفل بها، وأخذ منهم مهلة بأجل معلوم، وكتب على نفسه وثيقة وأبقاها عندهم، ثم يجتهد في تحصيل المبلغ من فلاحيه، وإن لم يسعفوه في الدفع، وحولوا عليه الطلب دفعه من عنده إذا كان ذا مقدرة، أو استدانه ولو بالربا، ثم يستوفيه بعد ذلك من الفلاحين شيئا فشيئا، كل ذلك حرصا على راحة فلاحي حصته وتأمينهم واستقرارهم في وطنهم ليحصل منهم المطلوب من المال الميري وبعض ما يقتاتون به هم وعيالهم ، وإن لم يفعل ذلك تحول باستخلاص ذلك كاشف الناحية، وعين على الناحية الأعوان بالطلب الحثيث وما ينضاف إلى ذلك من حق طرق المعينين وكلفهم، وإن تأخر الدفع تكرر الإرسال والطلب على النسق المشروح، فيتضاعف الهم، وربما ضاع في ذلك قدر أصل المطلوب وزيادة عنه مرة أو مرتين، والذي يقبضونه يحسبونه، وهو في كل ريال عشرة أنصاف فضة يسمونها ديواني، فيقبض المباشر على الريال تسعين نصفا فضة، ويجعل التسعين ثمانين، وذلك خلاف ما يقرره في أوراق الرسم من خدم المباشرين من كتبة القبط.

فينكشف حال الفلاح ويبيع ما عنده من الغلة والبهيمة، ثم يفر من بلدته إلى غيرها، فيطلبه الملتزم ويبعث إليه المعينين من كاشف الناحية بحق طريق أيضا، فربما أداه الحال إن كان خفيف العيال والحركة إلى الفرار والخروج من الإقليم بالكلية، وقد وقع ذلك حتى امتلأت البلاد الشامية والروسية من فلاحي قرى مصر الذين جلوا عنها، وخرجوا منها، وتغربوا عن أوطانهم، من عظيم هول الجور.

وإذا ضاق الحال بالملتزم وكتب له عرضحالا يشكو حاله وحال بلده أو حصته وضعف حالها ويرجو التخفيف، وتجاسر وقدم عرضحاله إلى الباشا، يقال له هات التقسيط (سند التمليك) وخذ ثمن حصتك أو بدلها، أو يعين له ترتيبا بقدر فائظها على بعض الجهات الميرية من المكوس والجمارك التي أحدثوها، فإن سلم سنده، وكان ممن يراعى جانبه، حول إلى بعض الجهات المذكورة صورة، وإلا أهمل أمره، وبعضهم باعها لهم بما انكسر عليه من مال الفرض، وقد وقع ذلك لكثير من أصحاب الذمم المتعددة، انكسر عليه مقادير عظيمة، فنزل عن بعضها، وخصموا له ثمنها من المنكسر عليه من الفرضة، وبقي عليه الباقي يطالب به، فإن حدثت فرضة أخرى، قبل غلاق الباقي، وقعد بها وضمت إلى الباقي، وقصرت يده لعجز فلاحيه، واستدان بالربا من العسكر، تضاعف الحال، وتوجه عليه الطلب من الجهتين، فيضطر إلى خلاص نفسه، وينزل عما بقي تحت يديه كالأول، وقد يبقى عليه الكسر ويصبح فارغ اليد من الالتزام ومديونا.

وقد وقع ذلك لكثير كانوا أغنياء ذوي ثروة، وأصبحوا فقراء محتاجين، من حيث لا يشعرون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.»

ومن الأساليب التي لجأ إليها الباشا لجمع المال، ما ذكره الشيخ الجبرتي في حوادث عام 1809: منها احتكار النشوق، وإلزام الأهلين بشرائه، ثم احتكار النطرون، وإلزام القرى بأخذ كميات معينة منه، وأخيرا محاولة إلزام الأهلين بشراء العرقي، ويسجل الشيخ تفاصيل هذه المسائل بصورة توضح الكيفية التي حاولت بها حكومة الباشا إرغام الناس على شراء النشوق والنطرون والعرقي، ثم تذمر الأهلين.

فيقول الشيخ: «إن بعض المتصدرين من نصارى الأروام أنهى إلى كتخدا بك أمر النشوق وكثرة المستعملين له والدقاقين والباعة، وأنه إذا جمعت دقاقوه وصناعه في مكان واحد، ويجعل عليهم مقادير، ويلتزم به ويضبط رجاله، وجمع ماله وإيصاله إلى الخزينة، من يكون ناظرا وقيما عليه كغيره من أقلام المكوس التي يعبرون عنها بالجمارك؛ فإنه يتحصل من ذلك مال له صورة، فلما سمع كتخدا بك ذلك أنهاه إلى مخدومه، فأمر الباشا في الحال بكتابة فرمان بذلك، واختار الذي جعلوه ناظرا على ذلك خانة بخطة بين الصورين، ونادوا على جميع صناع النشوق وجمعوهم بذلك الخان، ومنعوهم من جلوسهم بالأسواق والخطط المتفرقة، والقيم على ذلك يشتري الدخان لذلك من تجاره بثمن معلوم حدده، لا يزيد على ذلك، ولا يشتريه سواه، وهو يبيعه على صناع النشوق بثمن حدده ولا ينقص عنه، ومن وجده باع شيئا من الدخان أو اشتراه أو سحق نشوقا خارجا عن ذلك الخان ولو لخاصة نفسه، قبضوا عليه وعاقبوه وغرموه مالا، وعينوا معينين لجميع القرى والبلدان القبلية والبحرية، ومعهم من ذلك الدخان، فيأتون إلى القرية ويطلبون مشايخهم، ويعطونهم قدرا موزونا، ويلزمونهم بالثمن المعين بالمرسوم الذي بيدهم، فيقول أهل القرية: نحن لا نستعمل النشوق ولا نعرفه ولا يوجد عندنا من يصنعه، وليس لنا به حاجة ولا نشتريه، ولا نأخذه، فيقال لهم: إن لم تأخذوه فهاتوا ثمنه، فإن أخذوه أو لم يأخذوه فهم ملزمون بدفع القدر المعين المرسوم، ثم كراء طريق المعينين، وكلفتهم وعليق دوابهم.»

अज्ञात पृष्ठ