272

मिस्र फी मतलाक क़र्न तासी कशर

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

शैलियों

ولكن بدلا من أن يمده الباب العالي بالمال والمهمات التي طلبها، صار هذا الأخير يكلف الباشا بدفع مبالغ من المال لأفراد معينين، كهبة سلطانية أو كمعاشات أو على سبيل المعاونة لهم، كما صار يطلب إليه إرسال الصناع المهرة في قلفطة السفن إلى ترسانة القسطنطينية، من الإسكندرية ورشيد ودمياط، ثم بعض المهمات من مخلفات الحرب التي تركها الإنجليز بالإسكندرية عند جلائهم عنها من أزمنة بعيدة، وقد اعترض الديوان العثماني على بيع ملح البارود للتجار الأجانب، وطلب في أبريل ومايو 1809، أن يرسل الباشا إلى ترسانة القسطنطينية عشرة آلاف قنطار منها، على حساب الخزانة المصرية، وعلاوة على ذلك، فقد طالب الديوان العثماني في الشهر نفسه بإرسال «الزجرية»، وهذه ضريبة كانت قد فرضت على الأنبذة و«العرقى» وسائر المشروبات الروحية التي تباع في القاهرة، وضواحيها، وكذلك على الزبيب والبلح وغير ذلك من الفواكه التي تستخرج منها هذه المشروبات، على أن ترسل حصيلتها إلى القسطنطينية، وكانت قد فرضت هذه الضريبة منذ نوفمبر 1805، ولم يصل الباب العالي شيء منها، وطلب الباب العالي تحقيقا في ذلك، وإرسال المتحصل منها على وجه السرعة.

أضف إلى هذا كله، أن الباب العالي صار يلح في ضرورة إرسال الغلال ومختلف الأغذية إلى القسطنطينية، بسبب المجاعة المنتشرة بها، وقد تقدم كيف أن الباشا كان ضنينا بإرسال غلاله إليها، للأسباب التي عرضناها، فلم يرسل إلا كميات قليلة، ومع أن الباب العالي كان قد أراد إرسال كميات من السكر والأرز والبن والحبوب إلى المطابخ السلطانية منذ ديسمبر 1808، على حساب الخزانة المصرية، فقد اضطر لإعادة الطلب في أبريل ثم في ديسمبر من العام التالي، كما أمر الباشا بتخفيض أثمان الأرز وسائر أصناف الحبوب المجلوبة من مصر؛ حتى لا يتغالى التجار الجشعون في رفع أثمانها عند بيعها في القسطنطينية، كما طالب بالرسوم الجمركية المتحصلة في الإسكندرية ومن قريتي عيد وشوارق التابعتين للإسكندرية، وذلك عن العامين الهجريين: 1223، 1224 (28 فبراير 1808-5 فبراير 1810)، «وعهد إلى الباشا من الآن فصاعدا بتأدية هذه المهمة؛ لأن السلطان يريد أن يلفت نظر الباشا إلى أن وصول هذه المبالغ إلى خزانة ترسانة القسطنطينية أمر ضروري ولا ندحة عنه، نظرا للنفقات الجسيمة التي تقتضيها تهيئة السفن الحربية التي أرسلت هذا العام إلى البحر الأبيض، وبعدد أكبر كذلك إلى البحر الأسود.»

على أنه كان مما أزعج الباشا إزعاجا كبيرا مطالبة يوسف ضيا باشا، والباب العالي له، بمبلغ جسيم من المال في يوليو 1809، من أجل المصلحة الخيرية؛ أي الحرب الوهابية، وتفصيل ذلك، أن يوسف ضيا كان أيام وجوده بهذه البلاد أثناء (حملة 1801) المعروفة لإجلاء الفرنسيين عنها، قد وضع ترتيبا بالاتفاق مع أعيان البلاد ومشايخها، بمناسبة إعادة النظر في حصص الالتزام وتقاسيطها، والأراضي الرزق الأحباسية، صار له بمقتضاه إيراد لنفسه على تقاسيط الالتزام، وأوراق الإقطاعات والفراغات التي آلت بفضلها بعض الحصص بالفراغ إلى الملتزمين، وهي التي نزل عنها لهم أرباب الاستحقاق فيها، نظير أن ينال المفرغ قدرا من المال معجلا ومؤجلا، وقد دخل هذا الإيراد الذي اختص به الصدر الأعظم نفسه تحت بابي ما صار يعرف بقصر اليد وخرج القلم، ولكنه غادر هذه البلاد، دون أن يحل شيئا مذكورا منها، ثم لم يرده شيء من هذا الإيراد في السنوات التالية، وظل الحال على ذلك حتى تعين يوسف ضيا لقيادة الحملة المزمع إنفاذها إلى الحجاز، وصار في حاجة ملحة إلى هذه الأموال المتأخرة لإنجاز استعداداته، فطالب بها الآن، وأيده الباب العالي في طلبه.

وعلى ذلك، فقد حضر سلحداره إلى القاهرة في 28 يونيو 1809، «وعلى يده مرسوم مضمونه طلب ما كان أحدثه يوسف ضيا حين كان بمصر»، وقد طالب يوسف ضيا بهذا الإيراد عن المدة من عام 1216 (1801) إلى عام 1224 (1809)، فكان حساب ذلك 2800 كيسا «قلمية الكشوفية» عن هذه السنوات المذكورة، ثم إن الباب العالي أضاف في الوقت نفسه إلى هذا المبلغ، ألف كيس «إمدادية تجهيز السفر الحربي» لحملة الحجاز المزمعة، فبلغت القيمة المطلوبة 3800 كيس، وكان هذا مبلغا جسيما.

ولم يكن من المنتظر أن يرضى محمد علي بدفع هذا القدر الجسيم، وهو الذي ما فتئ يشكو من قلة المال في خزائنه، ويلقى صعوبات شديدة في جمع ما يكفي منه لسد نفقات الإدارة، ودفع مرتبات الجند، وإنفاذ حملاته ضد البكوات المماليك، ويطلب من الباب العالي - كما شهدنا - إمداده بالمال والمهمات كي يستطيع إعداد الحملة المزمع إرسالها إلى الحجاز؛ ولذلك فقد صار الباشا يتدبر الأمر، لسؤال الباب العالي إعفاءه من دفع هذا المبلغ، ولقد كان لهذه المسألة آثار أخرى خطيرة، من حيث إنها كانت السبب المباشر فيما وقع بين محمد علي والسيد عمر مكرم من اصطدام انتهى بنفي هذا الأخير من القاهرة، على نحو ما سيأتي ذكره.

وأما محمد علي، فقد بادر بتسطير رسالة طويلة إلى الباب العالي في 14 يوليو 1809 يعتذر فيها من عجزه عن دفع هذا المال المطلوب، ويوضح أسباب هذا العجز، فقال: «إن سلفه خورشيد أحمد باشا، كان وقت أن اقتضت المصلحة سفره إلى بلاد الروم (تركيا) مفصولا من الولاية، مدينا بثلاثة آلاف كيس، متأخر مرتبات الجند، وقروضا استدانها من مختلف التجار، وتعهد محمد علي بوفاء هذه الديون، بمقتضى صكوك أعطيت لأصحابها، توجب عليه سدادها، محافظة على شرف الوزارة، ودفعا لوقوع ثورة، وحرصا على عدم تعريض هذا الوزير (أحمد خورشيد) للفضيحة على أيدي أرذال الناس، فكان بفضل ذلك أن استطاع محمد علي إنقاذ الوزير المذكور، وإرساله إلى الديار الرومية، على أنه منذ إرساله، لم يتسع للباشا الوقت، ولم يكن في ميسوره الشروع في سداد هذه الديون.

ثم كان مما زاد في حيرة الباشا استيلاء الإنجليز على الإسكندرية، وما صار يخشاه من تأثر البكوات المماليك بمساعي هؤلاء الغزاة ومسايرتهم لهم، وقد وقع الغزو فجأة، في وقت كان الباشا قد بدأ يستعد لقتال البكوات للانتهاء من أمرهم، ودفع شرورهم بالقوة الممزوجة بالحكمة والتعقل والروية، وقد اضطر بسبب ذلك إلى الإنفاق والبذل ومنح العطايا الكثيرة سواء كان هذا الإنفاق لدفع مرتبات جند الباشا نفسه، أم لدفع مرتبات الجند الذين أمر الباب العالي بإرسالهم من صيدا والشام إلى مصر، مما ترتب عليه أن تضاعفت ديونه.

زد على ذلك ما اقتضاه الأمر بعد فتح الإسكندرية وجلاء الإنجليز عنها من إبعاد رؤساء الجند الساعين في إثارة الفتنة والفساد في مصر، وذلك صونا للمصلحة، مما استلزم إعطاء هؤلاء علوفاتهم؛ أي مرتباتهم وسائر مخصصاتهم المتأخرة، نقدا.

وعلاوة على ذلك، فإن لدى محمد علي عددا كبيرا من الجند، من أصناف الدليلان (الكشافة) والتفنكجيان (الرماة) والسكبان (جند الحرس)، والعربة جيان (المدفعية والحوذية) والشالوبة (أنفار المراكب)، يتكلفون ما قيمته ثلاثة وعشرين ألف كيس من الإيرادات المتحصلة من مصر، ولا ندحة عن وجود هذا العدد الكبير من الجند، ثم إنفاق هذا القدر الجسيم من الإيراد عليهم؛ لأن مصر مطمح أنظار الدول الأجنبية، ناهيك بما تتطلبه مأمورية الحرمين الشريفين التي عهد بها إلى محمد علي، من وجود هؤلاء الجند الكثيرين.

ومع أن الإيرادات المتحصلة من هذا القطر الآن، لا تكفي لسد نصف هذه النفقات الكثيرة، طالما بقي الصعيد غير خاضع لسلطان الباشا فقد اقتضت المصلحة إعطاء الأراضي الواقعة قبلي إقليم البهنساوية للأمراء المصرية (البكوات المماليك)، وفضلا عن عدم الانتفاع بها، يتحمل محمد علي نفقات أخرى بسبب ما يبذله للبكوات من مال؛ حيث إنهم صاروا الآن في خدمته؛ ولأن في ذلك ضمانا لجلب الغلال من الصعيد، وهذه لا مناص من جلبها وادخارها مع غيرها من المؤن، لصالح مأمورية الحرمين الشريفين التي عهد بها إليه الباب العالي، وبحسبان أن فيضان النيل في هذه السنة سوف يكفي لري الأراضي بهذا القطر.

अज्ञात पृष्ठ