मिस्र फी मतलाक क़र्न तासी कशर
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
शैलियों
فقد كتب «دروفتي» من القاهرة في 28 أبريل 1810، أن طبيب الباشا «مندريشي» قد استند في إقناعه الباشا بالمضي في بيع الغلال للإنجليز إلى أن هؤلاء لديهم من القوة والوسائل ما يمكنهم من إرسال جيش إلى مصر لغزوها إذا انقطعت العلاقات بينهم وبين الباب العالي، كما أن في وسعهم من ناحية أخرى مساعدة الباشا ونجدته إذا أرسلت فرنسا حملة لغزو هذه البلاد، ثم استطرد «دروفتي» يقول: وعلاوة على ذلك، فإنه «يبدو لي من التقريرات التي وصلتني، أن محمد علي قد صار يعتقد أنه إذا أجاب مطالب الإنجليز - من حيث الاستمرار على تصدير الغلال إليهم - فإن هؤلاء سوف يفصمون علاقاتهم مع البكوات المماليك، ولا يعود الباشا حينئذ يخشى شيئا منهم.»
وفي 17 يوليو 1810، كتب «دروفتي» يقول: «إن الباشا بدعوى حاجته إلى مورد جديد من المال، يمكنه من متابعة الحرب ضد المماليك، قد أعطى الإنجليز حديثا الحق في استيراد الحبوب بمطلق الحرية (من هذه البلاد)، في نظير دفع عشرة قروش تركية، رسوما جمركية على الإردب وزن رشيد، وهو يعادل 25 مريا جراما.» ومن المعروف أن «المريا جرام» الواحد يساوي عشرة آلاف جرام.
ولما رفض محمد علي الاستماع لأوامر الباب العالي المشددة، بمنع تصدير القمح إلى أوروبا، كتب «دروفتي» في 11 نوفمبر 1810، أنه احتج لدى الباشا على استمرار البيع للإنجليز، فكان جوابه: «أنه يخشى إثارة عداء هؤلاء ضده، إذا رفض رفضا قاطعا بيع غلاله لهم»، وأنه إذا امتنع عليهم أخذ الغلال بطريق الشراء، لجئوا إلى أخذها عنوة بالقوة، ولكنه سوف يعمد إلى طريقة أخرى من شأنها إزعاج تجارهم إزعاجا شديدا، هي زيادة الرسوم الجمركية على الصادر، وقد رفع هذه فعلا إلى 26 قرشا تركيا على الإردب زنة خمسة وعشرين مريا جراما، ولكن «دروفتي» لم يقتنع بالسبب الذي أبداه الباشا لزيادة الرسوم الجمركية، واعتقد أن مبعثه إنما كان رغبة محمد علي في جمع المال، منتهزا فرصة وجود المجاعة في مالطة وفي جميع جزر البحر الأبيض تقريبا وقتئذ، وأما الدعاوى الأخرى التي سوغ بها تعامله مع الإنجليز، فقد كانت على نحو ما ذكره ل «دروفتي» خوفه من هؤلاء، وضرورة تحصين الإسكندرية، وبناء أسطول من السفن في البحر الأحمر.
وفي 16 يناير 1811 عاد «دروفتي» يقول إن الباشا في حاجة إلى المال الذي يحصل عليه من تصدير الغلال إلى الإنجليز لدفع مرتبات الجند، ولبناء أسطول من السفن في البحر الأحمر، «ودعواه الوحيدة التي يبرر بها مسلكه هذا «مع الإنجليز»، لدى الباب العالي، هي ضرورة إنجاز الاستعدادات اللازمة لخروج حملته ضد الوهابيين». وأما الوكيل الفرنسي الآخر «سانت مارسيل»، فقد كتب من الإسكندرية في 27 مارس 1811، ينبئ حكومته بوصول ضابطين من القومسيرية العامة للجيش البريطاني في صقلية؛ للمفاوضة والاتفاق مع محمد علي على شراء الحبوب، ثم استطرد يقول: «ولما أن احتججت لديه على ذلك، قال «الباشا» إن هذا التعامل «مع الإنجليز» يزوده بالمال الذي يلزمه لتحصين الإسكندرية وزيادة عدد جيشه، وإنجاز تسلحه في البحر الأحمر، والقيام بحملته ضد الوهابيين، ثم إنه يخشى إذا هو رفض «التعامل مع الإنجليز» أن هؤلاء إذا اضطروا إلى مغادرة صقلية وطردوا منها - وهذا أمر متوقع - فسوف ينقضون عندئذ على مصر و«يغزونها»؛ كي يأخذوا منها ما يحتاجونه لتموين أسطولهم ومالطة، وعلاوة على ذلك، فإن الواجب يقتضيه - كما قال - الاحتراس من ناحية الإنجليز، في الوقت الذي لهم فيه جيش بالبرتغال، لا يعلم أحد المكان الذي سوف يقصده، بعد اضطراره إلى مغادرتها، وقد بلغه (أي محمد علي) أن هذا الجيش يبغي الدخول إلى البحر الأبيض، ثم إنه يعتقد أن قطع العلاقات بين إنجلترة وتركيا قد بات أمر متوقعا.» ومن المعروف أن «السير آرثر ولزلي»
Wellesley - دوق ولنجتون - الذي تولى القيادة العامة للقوات البريطانية في البرتغال في عام 1809، كان بعد اشتباكه في معارك عدة مع الفرنسيين في شبه جزيرة إيبريا، قد اضطر إلى الانسحاب إلى الساحل في البرتغال.
وفي 6 مايو 1811، كتب «سانت مارسيل» يقول: «إنه يقطع بأن الباشا يريد عقد محالفة مع الإنجليز، فهناك من صار يبين له بالحجة والدليل أنه ببقائه صديقا لفرنسا، في وسع هذه تثبيته في حكومته.» ولكنه لما كان هو بعيدا بعدا كبيرا من الدولة التي تكتفي ببذل الوعود، والتي قالوا إنها ذات أهمية ثانوية وقتئذ، فمن الخير له أن يصادق الإنجليز الذين في وسعهم بفضل قوتهم البحرية أن يحموا تجارته. ثم استمر «سانت مارسيل» يقول: «ويدرك الباشا جيدا من ناحية أخرى، أن الإنجليز لن يولوه حمايتهم إلا من أجل تحقيق غاياتهم الشيطانية، ولكنه يرى - بعد إمعان النظر - أن الأفضل له، إذا لم يكن هناك معدى عن الوقوع تحت رحمة الباب العالي أو إنجلترة، أن يسلم نفسه إلى هذه الأخيرة، التي سوف تبقي حينئذ على حياته وتترك له أمواله، بينما يجرده الباب العالي من أمواله وينتزع منه حياته.»
ولا جدال في أنه إلى جانب ما كانت تدره عليه التجارة مع الإنجليز من ربح مالي وفير، كانت الدعاوى التي استند إليها الباشا في تبرير مسلكه، منبعثة عن وزن صحيح للأمور، بسبب مماطلة البكوات المماليك في الاتفاق، وحسم خلافاتهم نهائيا معه، وما كان يذيعه الوكلاء الفرنسيون والإنجليز سويا، عن احتمال وقوع الغزو على هذه البلاد؛ إما من ناحية إنجلترة، حسب أقوال الأولين، وإما من ناحية فرنسا كما يؤكد الأخيرون. ثم إنه كان عليه استرضاء الباب العالي بالخروج إلى الحجاز ضد الوهابيين، وعلاوة على ذلك، فقد أفاد من صداقة الإنجليز والتعامل معهم، لا من حيث امتلاء خزانته بالمال فحسب للإنفاق منه في الوجوه التي ذكرها الوكلاء الفرنسيون أنفسهم، بل ومن حيث الاستعانة بنشاط الوكلاء الإنجليز في تنفيذ الخطة التي اتبعها مع البكوات المماليك؛ لاستمالتهم إلى الصلح معه، وخصوصا عند سعيه لكسب ود وصداقة شاهين بك الألفي على نحو ما سيأتي ذكره.
وثمة سبب آخر يدعوه لإمداد الإنجليز بحاجتهم من الغلال، هو اعتقاده أن بوسعه الاعتماد على مؤازرتهم له في بناء ذلك الأسطول التجاري والحربي الذي أراد إنشاءه، في البحر الأحمر، لتعزيز العلاقات التجارية بين موانيه وسائر المواني بهذا البحر، ولنقل جنده المرسلين إلى بلاد العرب، وكان يبغي أن يبيعه الإنجليز بعض سفنهم، أو يجهزوا بعض سفنه هو بالأسلحة التي تجعل منها سفنا حربية، فعهد إلى سليم ثابت أحد رجاله في القسطنطينية بأن يتفاوض مع السفير الإنجليزي بها بصدد شراء السفن اللازمة له من إنجلترة، وكتب إلى كتخداه بالعاصمة العثمانية في 22 يناير 1810، أن محمد آغا اللاظ قد بنى سفينة بالإسكندرية طولها 36 ذراعا، وعهد بقيادتها إلى إسماعيل قبودان البشكطاش (جبل الناره أو جبل طار)، على أن يذهب بها إلى مالطة؛ حيث يبتاع هناك سفينة أخرى، فيقصد المركبان ميناء السويس، بالدوران حول رأس الرجاء الصالح، وأما هذه السفينة التي أنشأها محمد آغا اللاظ فقد عرفت باسم «أفريقية»، وقد أبحرت فعلا من الإسكندرية إلى مالطة في أبريل من العام نفسه.
ولكن الإنجليز لم يلبثوا أن «تعللوا» بتعلات مختلفة لعدم بيع سفنهم لمحمد علي، وما إن وصلت «أفريقية» إلى لندن، حتى تدخل في أمرها رجال شركة الهند الشرقية التجارية الإنجليزية، وكان يعنيهم أن يظلوا محتكرين لتجارة الهند، فحاولوا دون قيام «أفريقية» برحلتها المنتظرة حول رأس الرجاء الصالح إلى السويس، وإن كانت الحكومة الإنجليزية قد تكفلت بتسليحها تسليحا جيدا على نفقتها، وحملت قبطانها إسماعيل جبل طار هدايا عظيمة استرضاء للباشا، فعادت هذه الفرقاطة إلى الإسكندرية في يناير 1812.
على أنه كان هناك إلى جانب ما ذكرنا، سبب يفوق في نظر محمد علي هذه الأسباب جميعها، ويدعوه للمثابرة على كسب ود وصداقة الإنجليز، هو تصميمه على الاستعانة بهم في إخراج مشروع «استقلاله» الذي عرفناه إلى حيز الوجود، ولو أن هؤلاء رفضوا الاستجابة لهذه الرغبة. (4) الإنجليز يرفضون استقلال محمد علي
अज्ञात पृष्ठ