मिस्र फी मतलाक क़र्न तासी कशर
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
शैलियों
ولكن «دروفتي» الذي فضل التريث فيما يتعلق بالجالية في القاهرة لم يفته أن يذكر لباراندييه ما لاحظه من نشاط «مسيت» والوكلاء الإنجليز الذين يذيعون أن حملة إنجليزية في طريقها إلى مصر، ويدبرون المظاهرات للهتاف بحياة السلطان جورج، ويدعون ابن الشيخ المسيري لمأدبة أقامها «مسيت» نفسه له، ويبذلون المال بسخاء لإثارة الاضطرابات بالثغر من جهة، ولإعداد الرأي العام به لقبول فكرة الاحتلال البريطاني، ويعملون على تشويه سمعة فرنسا وتنفير السلطات الحاكمة بالإسكندرية ثم البكوات منها، وكان على «دروفتي» في هذه الظروف أن يجزم برأي قاطع فيما يجب عليه أن يسلكه لعلاج الموقف، لا سيما وأن الباب العالي بدأ يهتم جديا بالأحوال السائدة في مصر فأوفد الصدر الأعظم الجديد سلحداره إلى هذه البلاد على ظهر إحدى الفرقاطات العثمانية، من المنتظر عند عودتها إلى القسطنطينية أن تحمل ططريا من قبل سلحدار الوزير لإبلاغ سيده حقيقة الموقف، أضف إلى هذا أن الوكيل الفرنسي في رشيد «تورنو»
Tourneau
الذي خلف «سانت مرسيل»
Saint-Marcel
هناك راح يؤكد ل «دروفتي» أن الألفي لديه حوالي 2000 رجل من مماليك ومغاربة وعثمانلي، عدا بضعة ألوف من العربان، وأن الوكلاء الإنجليز يمدونه بكل ما يمكنهم من سلاح وذخائر، ويمنونه بقرب وصول نجدات من الجند الأوروبيين من مالطة، وأن الألفي يستفسر من هؤلاء الوكلاء في كل لحظة عن موعد وصول هذه النجدة، ولو أن الشك بدأ يساوره في جدية هذه الوعود التي يبذلونها له حتى إنه قال: «ليحضر من يشاء من الأمم، طالما أن الحاضرين يفردون علما على رءوسهم لنعرفهم، وطالما أنهم يعيدون السلام إلى هذه البلاد، أو يمكنوننا من العيش في سلام.» وقد قلق العربان كذلك من تسويف الإنجليز الذين ينتظرون مجيئهم بفارغ الصبر.
وكان عندما قرر الباب العالي إرسال القبطان عبد الله رامز باشا بأسطوله إلى الإسكندرية، ثم القابجي باشا مفوضا بتقليد الولاية لمن يراه صاحب النفوذ الأعلى أو السلطة في مصر بين محمد علي وخورشيد باشا، أن وجد «باراندييه» لزاما عليه أن يبسط حقيقة الموقف لوزير الخارجية الفرنسية «تاليران» وأن يطلب على ضوء ما أفضى إليه من معلومات تعليمات قد طلبها «دروفتي» منه، في وسع «باراندييه» إذا ما جاءته أن يبعث بها إليه حتى يسترشد بها، ويبغي بارنداييه من ذلك ولا شك إخراج السياسة الفرنسية من سلبيتها السابقة، وإدخالها في دور جديد من الإيجابية، فكتب إليه في 24 يونيو أن هناك ثلاثة أحزاب في مصر: الحزب الإنجليزي وهو حزب قوي جدا، والحزب العثماني وهو ضعيف جدا، ثم الحزب الفرنسي وهذا لا يكون له ثبات وصلابة إلا بقدر شعور أنصار فرنسا بعزمها على تأييدها لهم، والإنجليز ينثرون الذهب ويعضدهم الألفي، وتناضل الحكومة العثمانية ضدهم بوسائلها القاصرة وغير المجدية، ولم يستطع الفرنسيون حتى هذه اللحظة عرقلة شيء من نشاط الإنجليز، وقد استفاد هؤلاء من ذلك فأخذوا يثيرون مخاوف محمد علي من ناحية فرنسا بأن صاروا يدعون أن حملة فرنسية سوف تأتي إلى مصر لغزوها، ثم استطرد «باراندييه» يقول: «ولكني لا أظن أن محمد علي ينقصه التنور لدرجة تصديق مزاعمهم، وذلك خصوصا - على الأقل - إذا لم يجد نفسه مرغما بسبب مركزه على استخدام الإنجليز، بل إني أعلم أنه موال لنا نبدو له أقل خطرا الآن (من الإنجليز على حكومته)؛ ولذلك فمن الواضح أنه سوف يكون في وسعنا إذا قضى نهائيا على خورشيد باشا، أن نجعله بسهولة يعمل في صورة ملائمة تنال موافقة الإمبراطور عليها، ومهما تكن نوايا بونابرت نحو مصر فمن الواجب أن يكون له وكيل صاحب حكمة ومهارة يعرف كيف يحسن التصرف فيما يوضع تحت يده من أموال لهذه الغاية، وتمنع الظروف من اتخاذ خطوات حاسمة الآن، وقد يكون مفيدا ترك الإنجليز يتورطون في علاقاتهم ضد الباب العالي، وذلك حتى يرى الأخير كيف يتآمرون مع الروس لضياع الإمبراطورية العثمانية وكيف أنهم أعداؤه الطبيعيون.» واختتم «باراندييه» رسالته بقوله إن «دروفتي» قد طلب منه تعليمات فيما يجب أن يكون عليه مسلكه، وإن «باراندييه» يطلب بدوره هذه التعليمات حتى يبعث بها إليه.
ولكنه قبل وصول أية تعليمات من تاليران، كان قد وصل القبطان باشا والقابجي باشا صالح أغا إلى مصر، ليجد قوات الألفي محتشدة في البحيرة، والألفي نفسه يحاصر دمنهور ويدعو أهلها للتسليم، ويحاول الاتصال بالألفي الصغير بشتك بك، والدلاة رابضين عند فوة، ومن المتوقع التحامهم مع قوات الألفي، وخورشيد لا يزال ممتنعا في القلعة، والأهلين والمشايخ يناصرون محمد علي، وقد خفوا لاستقباله، والبكوات القبالي: البرديسي وإبراهيم لا يزالان في منفلوط، والاضطراب يسود القاهرة، ويتدخل محمد علي والمشايخ لإنهاء العداء بين القاهريين والجند بسبب اعتداءات هؤلاء الأخيرين على سكان القاهرة حتى استمر تبادل إطلاق الرصاص بين الفريقين يومين، ويستمع الأهلون لنصح محمد علي والمشايخ لهم بفتح الدكاكين والوكائل والانصراف إلى أعمالهم، وسلحدار خورشيد علي باشا يتراسل مع الألفي، وخورشيد يسعى للاتفاق مع البكوات مما يهدد بدخول هؤلاء العاصمة، وذيوع الاعتقاد بأن مؤامرة القلعة ذات جذور ممتدة في طول البلاد وعرضها بدرجة سببت خوف المشايخ من أن تؤدي هذه العاصفة إلى استرجاع البكوات لسلطانهم في القاهرة، واقتنع صالح أغا بأن محمد علي الأحق بالولاية. ومنذ 25 يوليو قرئ الأمر بإبقاء محمد علي في القائمقامية، وطلب إلى خورشيد النزول من القلعة، ثم اضطر هذا الأخير في الظروف التي سبق أن ذكرناها إلى تسليم القلعة في 6 أغسطس، وفاتت الفرصة على الألفي، وكان هذا قد رفع الحصار عن دمنهور، وسار صوب القاهرة ومعه «البطروشي» ملازما معسكره، ويأمل الألفي أن يسفر اتفاقه مع خورشيد عن دخوله القاهرة .
وكان أثناء هذه الأزمة أن راح «مسيت» - على نحو ما عرفنا - يؤيد كخيا الألفي وسلحدار خورشيد في مفاوضتهما مع القبطان باشا بالإسكندرية، فقد وصل هذان إلى الثغر في 31 يوليو ونزلا عند «مسيت»، وبدأت مفاوضتهما مع القبطان باشا في أول أغسطس، وانبرى «دروفتي» يبذل قصارى جهده لإحباط هذه المفاوضات، فعلم أن مندوبي الألفي وسلحدار خورشيد قد سلموا إليه رسائل تعلن اتحاد جميع البكوات وتأييدهم لخورشيد باشا، وتدعوه للذهاب إلى القاهرة بمن معه من جند للعمل بالاتحاد مع البكوات وحزب خورشيد من أجل طرد الأرنئود واتخاذ الوسائل الكفيلة باستتباب الهدوء واستقرار النظام في مصر، وعقد الوكلاء الإنجليز آمالا عظيمة على نجاح مساعيهم، الأمر الذي جعل «دروفتي» يرى من واجبه - كما ذكر لتاليران في 3 أغسطس - أن يعمل حالا لإحباط مكائد الإنجليز وإلحاق الفشل بمشروعاتهم إذا كان ذلك ممكنا، فقابل في 2 أغسطس ترجمان القبطان باشا الأول، وأوضح له ضرورة أن يبلغ القبطان أن الألفي عدو الحكومة الفرنسية، ثم راح يفسر له رأيه في مكائد الإنجليز ودسائسهم، وأكد له أن اتحاد بكوات الصعيد مع الألفي أمر لا يمكن عمليا تحقيقه لأسباب عدة: منها عداء الألفي لسليمان بك البواب مخلوق البرديسي وصنيعته، ولأن اتحاد الألفي وخورشيد خطوة مؤقتة وانتهازية أملتها الظروف الراهنة فحسب، ولأن الإنجليز لا يأبهون لحقوق السيادة التي للباب العالي على مصر، وآية ذلك أنهم يمدون الألفي عدو السلطان العثماني بالذخائر والأسلحة، ويقيم أحد وكلائهم «البطروشي» في معسكره، ثم إنهم يذيعون من مدة طويلة أن جيشا إنجليزيا سوف يحضر إلى مصر؛ ليضع الألفي على عرشها، ولاحظ «دروفتي» أن هذه الحجج التي ساقها لكشف مكائد الإنجليز وحليفهم قد تركت أثرا سيئا من جهة هؤلاء في ذهن ترجمان القبطان باشا.
ومع أن مندوبي الألفي وسلحدار خورشيد (علي باشا) والوكيلين الإنجليزيين «مسيت» و«بريجز» قد زاروا القبطان مرة ثانية يوم 3 أغسطس وتولى «مسيت» نفسه عرض مقترحات الألفي عليه، وبذل جميعهم قصارى لجهدهم لحمل القبطان باشا على ضم قواته إلى قوات الألفي لطرد محمد علي والأرنئود من مصر بدعوى أن هذه هي الوسيلة الوحيدة لإعادة السلام والهدوء إليها وبدونها يتحقق تدمير القاهرة حتى تصبح أطلالا، ثم حاولوا إقناعه بأن من واجب الباب العالي أن يخشى دائما من وقوع غزو فرنسي على مصر، وأن إنجلترة قد تجد نفسها ملزمة باتخاذ ما تراه من وسائل لمنع سقوط هذه البلاد التي يهمها أمرها في قبضة أعدائها الفرنسيين حيث إن تركيا ليس لديها من القوات ما يكفي لدفع الغزو الفرنسي عنها، فقد استطاع «دروفتي» أن يكتب إلى «تاليران» في 4 أغسطس: أن القبطان باشا قد أجاب على ذلك كله بأن لديه أوامر قاطعة لا يحيد عنها وأن الباب العالي قد سمى محمد علي واليا على القاهرة، وخورشيد باشا حاكما لجدة، وأن من واجب هذا الأخير أن يذهب إلى مقر عمله مصطحبا معه سلحداره علي باشا، وأنه بمجرد استتباب الهدوء في مصر بفضل هذه الخطوات، سوف يكون مصير البكوات أنفسهم موضع النظر، ثم استطرد «دروفتي» يقول: والقبطان باشا مرتاح للمعلومات التي زوده بها «دروفتي» عن الموقف في مصر، وقد بعث «دروفتي» إلى «تاليران» في 23 أغسطس يبرر نشاطه لإحباط مكائد الإنجليز بعد انقضاء الأزمة، وحادث يوم 19 أغسطس - وهي المكيدة التي فتك بها محمد علي بعدد من البكوات يوم فتح الخليج - فقال: إن الإنجليز يشاركون الأتراك في الإسكندرية استياءهم من وقوع هذه المكيدة، مما ينهض دليلا على أن خورشيد باشا كان قد نجح في خططه، وأن القبطان باشا كان قد وافق على إعادة تأسيس حكم البكوات في القاهرة وطرد الأرنئود منها؛ لأن الخوف من تأسيس أسرة أرنئودية في الحكم يفوق كثيرا الخوف من تأسيس أسرة مملوكية، فالأولى ذات قوة أكبر ويسود الاعتقاد بأنه صديقة لفرنسا، ويدهش العثمانيون في الإسكندرية من عدم اشتراك علي باشا سلحدار خورشيد والمقيم بالجيزة، ثم عمر بك الأرنئودي الذي كان موجودا بالقاهرة.
ثم عاد «دروفتي» فكتب إلى «تاليران» في 29 أغسطس يفسر له حادث 19 أغسطس، ومما يسترعي النظر أنه لم يلبث عند التعليق عليه أن جزم بناء على ما وصله من أخبار من القاهرة بأن البكوات جميعهم ولا سيما عثمان بك البرديسي منحازون قطعا ونهائيا إلى جانب الإنجليز، وأن خورشيد باشا - على نحو ما اتضح ل «دروفتي» عند زيارته لهذا الباشا بعد وصوله إلى الإسكندرية - إنما يعتمد الاعتماد كله على الإنجليز الذين يرجون بدورهم عند إرسال حملتهم على مصر أن لا يدعوه يذهب، ثم كتب في 30 أغسطس يبين مدى ما هو واقع من انقسام في صفوف البكوات بعد كارثتهم الأخيرة في القاهرة، فقال: إن الفتنة قد بذرت بذورها من جديد بين رؤسائهم البرديسي وإبراهيم بك والألفي وسليمان بك البواب، وأما القاهرة فيسود فيها اليوم الهدوء التام، ثم إنه لم يلبث أن بعث بمندوب عنه إلى معسكر المماليك؛ ليقف - كما قال - على مدى اتحاد المماليك، ذلك الاتحاد الذي أكده مندوبو الألفي وعلي باشا سلحدار خورشيد للقبطان باشا، ووثق الإنجليز من وجوده، ثم لمعرفة مشاريع المماليك، فحصل على معلومات بشأن ذلك كله بعث بها إلى «تاليران» في 31 أغسطس، فحواها أن الألفي يعول دائما على نجدة الإنجليز له، ويتراسل مع بكوات الصعيد حتى يستميلهم للاتفاق في العمل مع حزب خورشيد، ويقيم في معسكره «البطروشي» الذي هو دائما مصدر كل هذه التدابير، ويقول أحد البكوات إنهم قد جمعوا فيما بينهم ألف كيس لتوزيعها على جند علي باشا نظير أن يأتي هؤلاء لهم بشخص محمد علي حيا أو ميتا، وفضلا عن ذلك، فبكوات الصعيد أنفسهم يتراسلون مع الألفي وللبطروشي وكيل مقيم مع عثمان البرديسي لرعاية المصالح الإنجليزية، ويؤكد له قرب وصول جيش إنجليزي، ويبدي البرديسي ازدراءه بالوعود التي وعده بها «ماثيو لسبس» عن نجدة فرنسا له، ويحاول الإنجليز إعطاء محميهم الألفي مكانا في حكومة مصر، وقد بذلوا قصارى جهدهم لضم البكوات إلى خورشيد لهزيمة محمد علي الذي يكرهونه؛ لأنهم يرونه محاطا بالفرنسيين ، وقد استمالوا خورشيد للتوسط لدى القبطان باشا في صالح الألفي، ولإقناعه بالتأثير على حكومته حتى ترجع البكوات إلى القاهرة كالسبيل الوحيد لتهدئة البلاد، ثم انتهى «دروفتي» بعد بيان ذلك كله إلى ذكر أن الواجب يقتضيه إحباط كل هذه المحاولات، وراح يشكو من أنه ليس لديه تعليمات باستثناء الاسترشاد في كل ما يفعله بتعليمات «ماثيو لسبس» وهي التي توصي دائما بإبطال مشاريع الإنجليز.
अज्ञात पृष्ठ