मिस्र फी मतलाक क़र्न तासी कशर

मुहम्मद फुआद शुक्री d. 1392 AH
156

मिस्र फी मतलाक क़र्न तासी कशर

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

शैलियों

1

أصله من بيدمنت، تأثر بالآراء والمبادئ التي جاءت بها الثورة الفرنسية، وانخرط في السلك العسكري الفرنسي في 1796، واشترك في الحملة الإيطالية، وعين بعد صلح كمبو فرميو (1797) قومسييرا للحكومة المؤقتة التي أقيمت في بيدمنت تحت النظام الفرنسي الجديد، ثم التحق بالجيش مرة أخرى عند استئناف الحرب، فحضر معركة مارنجو المشهورة (14 يونيو 1800)، وعهد إليه بتنظيم الجيش البيدمنتي، وفي 20 أكتوبر 1802 عين وكيلا للشئون التجارية بالإسكندرية، وشهد وهو بها في صيف 1803 ما أوقعه علي باشا الجزائرلي من مظالم على الأوروبيين، وبذل قصارى جهده لحماية مصالح هؤلاء، حتى نال ثناء بونابرت القنصل الأول، وعندما غادر «ماثيو لسبس» مصر في خريف 1804 تعين «دروفتي» في مكانه (أي نائب قومسيير للعلاقات التجارية الفرنسية)، وكان «دروفتي» يبلغ عندئذ الثامنة والعشرين، وأما نائبه في القاهرة «فيلكس مانجان»

Félix Mangin

فكان من الفرنسيين الذين بقوا بالبلاد منذ مغادرة الفرنسيين لها في 1801، اشتغل بالتجارة في القاهرة، وتزوج من ابنة مواطنه «كاف»

Caffe

وهذا تاجر فرنسي كذلك كان من بين أعضاء الديوان الكبير أيام بونابرت، وقد كلفه «ماثيو لسبس» رسميا في 16 أكتوبر 1804 بالعمل في القاهرة وكيلا للقوميسيرية العامة، وبأن يتراسل مع خليفته (أي خليفة «ماثيو لسبس») في الإسكندرية، وقد شكا «مانجان» إلى وزير الخارجية «تاليران» في أكتوبر 1806 أنه ظل يخدم الحكومة الفرنسية في القاهرة بنشاط وهمة ولكنه لم يحصل على أية مخصصات أو مرتبات، ويرجوه أن يتوسط لدى الإمبراطور في هذا الأمر، وقد عزز «دروفتي» طلب «مانجان» وقال: إنه ظل يقوم بعمله في القاهرة طوال العامين الماضيين باجتهاد عظيم، وكان «مانجان» يتلقى تعليماته من «دروفتي» ويعمل بنصائح هذا الأخير وإرشاداته له، بينما كانت تأتي التعليمات إلى «دروفتي» من حكومته رأسا.

والرأي السائد عند جمهرة المؤرخين الفرنسيين أن «دروفتي» صار يسترشد في نشاطه السياسي في السنوات التالية ومنذ أن عين في مكان «ماثيو لسبس» بالمبادئ والقواعد التي تركها هذا عند مغادرته مصر للوكلاء الفرنسيين حتى يسترشدوا بها ويسيروا عليها من بعده، وأهم هذه المبادئ الإقبال على تأييد محمد علي ومناصرته، والعمل على تعطيل مشاريع الإنجليز للقضاء على كل نفوذ لهم في البلاد، على أن الحقيقة فيما يتعلق بتأييد محمد علي خصوصا كانت على خلاف ذلك؛ لسببين هامين؛ أولهما: أن «ماثيو لسبس» كان لا يرى في محمد علي - وكما سبق ذكره - ذلك الرجل القادر على انتشال البلاد من الفوضى وتأسيس الحكومة الموطدة بها حتى يوصي خلفاءه بتأييده، وثانيها: أن «دروفتي» نفسه كان يشك كثيرا وقت المناداة بولاية محمد علي مايو 1805 في قدرة هذا الباشا الجديد على تذليل الصعوبات التي اعترضت حكومته حتى يقبل هكذا وعلى أثر المناداة به مباشرة على تأييده، بل إن «دروفتي» لم يعمد إلى مناصرة محمد علي إلا بعد أن تدخلت عوامل عدة جعلت «دروفتي» يقبل شيئا فشيئا على مؤازرة الباشا لاعتقاده بأن بقاء محمد علي في الحكم هو الوسيلة الفعالة لإبطال مساعي الإنجليز الذين يريدون إعادة الحكم المملوكي إلى مصر برئاسة حليفهم الألفي، وأما من حيث تلك التعليمات المزعومة التي تركها «ماثيو لسبس» لخلفائه فقد وصفها «دروفتي» نفسه في رسالة له إلى حكومته في 31 أغسطس 1805 بأنها إنما تدور حول شيء واحد، وواحد فقط هو إفساد خطط الإنجليز ومشاريعهم في مصر، ولم يكن «دروفتي» في حاجة إلى هذا النصح والإرشاد؛ لأنه يعتقد اعتقادا راسخا ومن مبدأ الأمر - وكما اعتقد نائبه «مانجان» أيضا - أن مهمته الكبرى والمباشرة إنما هي إفساد خطط الإنجليز ومشاريعهم بكل وسيلة.

والواقع أن «دروفتي» اختط لنفسه سياسة كانت مستقلة في تفاصيلها عن تلك التي سار عليها سلفه من قبل، أو أرادت حكومة القنصل الأول والإمبراطور في باريس إلزام مندوبيها في مصر باتباعها ، وإن اتفقت هذه السياسة في هدفها الأعلى وما كانت تريده فرنسا من حيث القضاء على كل نفوذ للإنجليز في مصر والحيلولة دون احتلال هؤلاء للبلاد مرة ثانية، وكان بفضل استقلال «دروفتي» بالعمل وعلى مسئوليته هو وحده أن انتقلت تدريجا السياسة الفرنسية المحلية من سلبيتها السابقة إلى سياسة إيجابية ترمي إلى التأثير على الوقائع ذاتها بدلا من الاكتفاء بالأمر الواقع والتسليم به أو محاولة تعديل ما ترتب على حدوثه من نتائج بعد حدوثه.

ولقد تضافرت عوامل عدة لإدخال هذا التعديل الجوهري على السياسة الفرنسية المحلية في مصر، منها ما ظهر وقتئذ من أن حكومة باريس لم تشأ - على ما يبدو - أن تخط لنفسها سياسة مصرية مرسومة، طالما أنها قنعت بذلك الهدف العام الذي ظل مسيطرا على تفكيرها حتى عام 1804؛ أي منع الإنجليز من احتلال مصر ثانية بعد أن تم إجلاؤهم عنها في مارس 1803، وطالما أنها بقيت راضية بما يظهره عثمان البرديسي (خصم الألفي حليف الإنجليز) من آيات الولاء والصداقة وضروب الاحترام لشخص بونابرت العظيم في مراسلاته معها، ولو أن الولاء لفرنسا والاحترام لعاهلها لم يمنعاه عندما تأسست الحكومة المملوكية أو الحكومة الثلاثية في القاهرة من إساءة معاملة «ماثيو لسبس»، حتى إن هذا الأخير طلب من حكومته أن تبعث في استدعائه من مصر، وكان السبب في عدم وجود أي سياسة مصرية مرسومة لدى حكومة باريس أن مشاغل الإمبراطور نابليون وحروبه في القارة الأوروبية ثم نضاله العنيف مع إنجلترة قد استغرقا كل وقته، واستأثرا بكل نشاطه وتفكيره، حتى إنه صار ينظر إلى مصر والفصل في مصيرها كمسألة ذات أهمية ثانوية تأتي في ترتيبها بعد إحرازه النصر في أوروبا وانهزام إنجلترة، فكانت التعليمات التي وصلت إلى «دروفتي» قليلة ومفرغة في قالب عام تركت له في حقيقة الأمر بين عامي 1805، 1807 حرية العمل وعلى مسئوليته هو وحده وما دام لا يفوت على فرنسا تعزيز مصالحها.

ولعل أهم ما يلاحظ في هذا التغيير الذي طرأ على السياسة الفرنسية المحلية - وهي التي وجب بحق تسميتها بسياسة «دروفتي» - أنه حدث لصالح محمد علي، ولم ينتفع منه البكوات الذين عرفوا بصداقتهم لفرنسا، وينسب الفضل في ذلك إلى «دروفتي» الذي لم تلبث الحوادث أن أقنعته رويدا رويدا بأن المناداة بمحمد علي في مايو 1805 إنما هي بمثابة حد يفصل بين عهدين، ولا ندحة عن إدخاله في حساب الديبلوماسية الفرنسية إذا شاءت فرنسا الوصول إلى غايتها التي هدفت إليها منذ استئناف نشاطها في مصر: تعزيز نفوذها في البلاد ورعاية مصالحها التجارية خصوصا، ثم منع عودة الاحتلال البريطاني إليها، ويتضح عجز حكومة باريس عن إدراك هذه الحقيقة من تلك التعليمات التي بعثت بها إلى «دروفتي» في 22 يوليو 1805 - كما سيأتي ذكره - وهي تعليمات لو أن «دروفتي» لم يكن صاحب همة ونشاط وذا حصافة وبعد نظر سياسي لعطلت المصالح الفرنسية في مصر وألحقت الأذى بها.

अज्ञात पृष्ठ