मिस्र फी मतलाक क़र्न तासी कशर
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
शैलियों
وأهمية رسالة وكيل الألفي هذه تنحصر أولا في اشتمالها على الأسس التي قام عليها الاتفاق مع الباب العالي، ولو أنه لم يذكر أن من جملتها إطلاق بيع المماليك وشراءهم وجلب الجلابين لهم إلى مصر كعادتهم، بعد أن كان البكوات قد منعوا من ذلك من ثلاث سنوات. وثانيا فيما تضمنته من عبارات قد توحي بأن السفير الإنجليزي توسط فعلا في المفاوضة أو أن الباب العالي قد قبل هذه الوساطة ... وثالثا في إظهار أن تمام الاتفاق كان متوقفا على دفع المبلغ الذي ذكره محمد أغا. على أنه مما يجب ذكره أن «أربثنوت» لم يتوسط ولم يتدخل في المفاوضة، وأن غاية محمد أغا من إصراره على ضرورة أن يبلغ الباب العالي نتيجة المفاوضة للسفير الإنجليزي، لم يكن مبعثه الرغبة في الحصول على ضمان لتنفيذ الاتفاق من جانب الباب العالي كما أراد الألفي أصلا، بقدر ما كان مرده إلى محاولة كتخداه محمد أغا أن يدفع السفير الثمن الذي تكلفه هذا الاتفاق، وعلاوة على ذلك، فإن الباب العالي لم يكن يبغي من رضاه بإبلاغ السفير نتيجة المفاوضة سوى الاطمئنان إلى وصول المبلغ الذي وعد به كتخدا الألفي إلى خزانته، بفضل ضمان الإنجليز لدفعه. وثمة ملاحظة أخرى على جانب كبير من الأهمية لتوضيح موقف «أربثنوت» نفسه من الترتيب الذي تضمنه الاتفاق، هي أن السفير الإنجليزي كان يشك كثيرا في سلامته، ولا يعتقد أن في وسع الذين أبرموه أن يضعوه موضع التنفيذ، وتتضح هذه الحقائق جميعها مما ذكره «أربثنوت» عن هذه المفاوضة وملابساتها ونتائجها، في رسالة بعث بها إلى «مسيت» في 5 يونيو، وأخرى إلى «شارلس جيمس فوكس» في 6 يونيو 1806.
أما في رسالته إلى «مسيت» فقد كتب يقول: «لقد أوضحت لك في رسائلي السابقة رأيي في مسألة الوساطة التي يطلبها محمد الألفي؛ لأنني كنت واثقا تماما من أن الباب العالي لن يوافق على قبول هذه الوساطة. ولقد دلت الحوادث على صحة ذلك، ويبدو أن هناك ترتيبا عمل بين كتخدا الألفي وبين الباب العالي، وأول الأمر عندما زارني كتخدا الألفي بك وعندما زارني السيد «ستافراكي» أخبرتهما ولو أنه ليس لدي تعليمات تخولني التدخل فإني واثق بالرغم من هذا من أن رغبة جلالة الملك الشديدة هي أن يكون أداة لإرجاع الهدوء إلى مصر لدرجة أنه إذا طلب مني الباب العالي وطلب مني المماليك كذلك خدماتي من أجل الوساطة فإني لن أبخل بها، ولقد حاولت أن أبين لهما (أي محمد أغا و«ستافراكي») في وضوح وجلاء أني لن أسهم في هذه المسألة إلا إذا طلب من الباب العالي ذلك رسميا. وعندما جاءني كتخدا الألفي بعد أول مقابلة له مع وزراء الباب العالي يسأل نصيحتي في الطريق الذي يجب عليه أن يسلكه، أبلغته ثانية أنه إذا كان يرى في ضوء ما أصدره إليه سيده من تعليمات أن تدخلي في المسألة ضروري إطلاقا ولا غنى عنه، فعليه حينئذ أن يذكر للباب العالي أنه زارني كي يطلب وساطتي حسب ما لديه من أوامر من سيده توجب عليه فعل ذلك ، ولكنني أعلنت إليه بوضوح تصميمي الجازم على عدم عرض وساطتي من جانبي، وحيث إن مليكي قد دلل دائما على رغبته القوية في مشاهدة الفوضى تزول من مصر، ولما كنت واثقا من أن الملك لا تزال تحدوه هذه الرغبة ويوجد لديه نفس الشعور، فإني لا أجد ما يدعو لجعلي مترددا في أن آخذ على عاتقي مساعدته من أجل إزالة الصعوبات القائمة إذا قدم لي الباب العالي طلبا بالوسائل المتبعة والمعمول بها لهذا الغرض. وصفوة القول أني عنيت بأن أجعل كتخدا الألفي يدرك، وأن أجعل مفهوما تماما لدى الباب العالي عن طريقه، أنه ليست لدي أية رغبة للتوسط، وأنه لن يغريني شيء بالقيام بالوساطة سوى طلب يشترك في تقديمه إلي الطرفان معا يبديان فيه هذه الرغبة في عبارات قوية، وكان اعتقادي أن التظاهر بعدم الاهتمام هو الذي يزيل ما لدى الباب العالي من تعصب في موضوع التدخل الأجنبي، وأعتقد أن كتخدا الألفي قد تكلم مع رجال الباب العالي في حدود ما تقدم، أو على الأقل، هذا ما أخبرني به «ستافراكي» الذي أكد لي قطعا أن الوزراء العثمانيين لم يظهروا أدنى معارضة لتوسطي، وأن هذه الوساطة سوف تطلب مني بمجرد الانتهاء بفضل مباحثات سابقة من معرفة مدى الشروط التي يوافق عليها كتخدا الألفي.
وهكذا كان الوضع عندما سألني الباب العالي من أيام قليلة ماضية إذا كان صحيحا - على نحو ما قيل له وصار التأكيد له به - أني أدفع أو أضمن المبلغ الذي على المماليك أن يدفعوه ثمنا للعفو الذي ينالونه، فأجبت: إن هذا السؤال قد أدهشني جدا. ثم سطرت كتابة كل ما جرى بيني وبين كتخدا الألفي كي أبرهن على أنه بدلا من أن أطلب أنا الوساطة، لن يفلح شيء في إقناعي بالتوسط إلا تأكيد من جانب الباب العالي بأنها مطلوبة من الطرفين ومرغوب فيها منهما على السواء كذلك. وبالرغم مما جرى بيني وبين الباب العالي فإن كتخدا الألفي والسيد «ستافراكي» لا يزالان مصرين على أنه سوف يحدث طلب وساطتي، بل وأن شخصا سوف يكلف حالا بالحضور إلي من قبل الوزراء العثمانيين يطلب مني ذلك. غير أنه سرعان ما اتضح أنهما إما أن يكونا قد أخطآ التقدير، وإما أن يكونا قد أرادا خديعتي وغشي؛ ذلك أن السيد «ستافراكي» لم يلبث أن جاء إلي أخيرا ليبلغني أن الباب العالي يعارض بصورة لا يمكن التغلب عليها في أية وساطة، وأنه قد تم الاتفاق على المبلغ الذي يدفعه المماليك، وأنه هو وكتخدا الألفي قد قطعا شوطا بعيدا لإتمام هذا الاتفاق يجعل من المتعذر عليهما النكوص على أعقابهما، وأن الرجاء معقود على مساعدتي في إيجاد المال اللازم؛ لأن مواردهما «وحسابهما» غير كافية. وعندما بلغني «ستافراكي» هذه الرسالة، سلمني في الوقت نفسه كتاب كتخدا الألفي (وهو كتابه السالف الذكر للسفير بتاريخ 2 يونيو 1806)، فكان جوابي على كلام «ستافراكي» أني سعيد؛ لأنه صار هناك أمل الآن في إعادة الهدوء والسكينة والنظام إلى مصر، ولكنه ليس في مقدوري أن أدفع مالا؛ لأنه لا يوجد شيء من المال بتاتا تحت تصرفي.
وأما تعليقي على ذلك، فهو أنه عند حضور المماليك إلى القسطنطينية كان السيد «ستافراكي» قد أخبرني أنهم مستعدون لأن يضحوا بخمسة ملايين قرش من أجل الوصول إلى تحقيق هذا الغرض؛ ولذلك فإنه يبدو مدهشا حقا أن يكفي مبلغ ضئيل كهذا (750000 قرش) لإجابة رغبات الباب العالي، الأمر الذي جعلني أشك في أن الترتيب الذي وضع إنما قد حدث منفصلا بين الباب العالي وبين الألفي، وأن الألفي عليه لذلك أن يدفع وحده ودون أن يسهم البكوات الآخرون فيه كل المبلغ الذي فرضه عليه الباب العالي ثمنا لتعيينه في المستقبل رئيسا أعلى للمماليك الذين يعاد تأسيس سلطانهم في مصر، وكذلك فإنه مما تجب ملاحظته، مما جاء في رسالتي الألفي إليك وإلي ومن معلومات أخرى حصلت عليها، أننا صرنا نتخيل أن البكوات لن يستميلهم للموافقة على الدخول في مفاوضة مع الباب العالي سوى توسطنا في ذلك فقط، ولكننا نجد الآن، بالرغم من أنني لم أسهم بتاتا بأي نصيب كان في هذه المفاوضة، أنها ليس فقط قد بدأت فعلا، بل وقد تكللت - كما يبدو لي - بالنجاح بعد أن انتهت بكل سرعة، وليس من شك في أن هذا الظرف يدعو بالضرورة للاعتقاد بأحد الأمرين؛ إما أن يكون الباب العالي قد خدع وكلاء الألفي، أو رشاهم، أو أن هؤلاء الوكلاء - ولا يبدو احتمال ذلك بعيدا - كان لديهم تعليمات سرية تختلف اختلافا عظيما عن تلك التي أبلغت إلينا كلينا. وقد يكون وكلاء الألفي برآء من ذلك، ولا أريد أذيتهم بسبب هذه الشكوك التي تساورني في أمرهم.»
وفي كتابه إلى «شارلس جيمس فوكس» قال «أربثنوت»: «وقد بقي علي أن أوضح لك الأسباب التي جعلتني مستعدا لتقديم وساطتي لو أن الباب العالي قد طلبها مني كما فعل البكوات ... فإنه لمما يبدو مرغوبا فيه أولا: إقصاء الأتراك الذين لهم السلطة الآن في مصر ولا سيما الباشا محمد علي؛ لأن هؤلاء يصفهم الميجور «مسيت» بأنهم قطعا يؤيدون المصلحة الفرنسية، ولأن تهدئة الأمور أو الصلح بين البكوات والباب العالي يستلزم حقا حدوث ذلك، وثانيا: لأنه ولو كان من الحكمة لعدم إثارة حسد الباب العالي الامتناع عن عرض وساطتنا، فمن الواضح كذلك أنه لو كنا دعينا للتدخل وتقديم خدماتنا لكانت النتيجة الحتمية لذلك هي زيادة نفوذنا هنا في القسطنطينية وفي مصر معا، ومع ذلك فمن المشكوك فيه، والترتيب الذي ووفق عليه قد حدث بالصورة المعروفة، أن تكون ثمة فائدة يمكن أن نجنيها منه لو كنا من أطرافه؛ لأنه لا يزال علينا أن نرى إذا كان البكوات الآخرون يوافقون على هذا الذي تم على يد كتخدا الألفي، وإذا كانت العمارة التي هي على وشك الإبحار إلى مصر تقدر على القيام بمهمة إعادة النظام إليها، فإذا نجحت فمن المنتظر أن تجني المصلحة البريطانية للأسباب السالفة الذكر فوائد جمة بالرغم من عدم تدخلنا .» وقد اختتم «أربثنوت» رسالته هذه بإظهار رجائه في أن التفسيرات التي سوف يدلي بها «مسيت» إلى البكوات لتوضيح موقف السفير الإنجليزي أثناء المفاوضات الأخيرة يجدها هؤلاء كافية لإقناعهم بأن الإنجليز يهتمون بأمرهم ويرعون مصالحهم.
ويستبين من الرسائل التي بعث بها «مسيت» من الإسكندرية إلى «أربثنوت» وإلى وزير الخارجية الإنجليزية «فوكس» ثم وزير الحرب والمستعمرات «وليم وندهام»
Windham
ما يمكن اعتباره ختام القول في مسألة هذه الوساطة، والزعم بأن الاتفاق الذي وصل إليه مندوبو الألفي مع الباب العالي في القسطنطينية كان بناء على إرساليات الألفي للإنجليز - كما قال الشيخ الجبرتي - ومخاطبة الإنجليز الدولة ووزيرها.
فقد كتب «مسيت» إلى «أربثنوت» في 11-15 يونيو 1806، أنه لم يدهش لعدم رغبة الباب العالي في وساطة السفير في مسألة المماليك ورفض تدخله في صالحهم، كما استطرد يقول: وأنه إذا كان شخصيا قد شجع الألفي على طلب هذه الوساطة من السفير، فقد كان غرضه من ذلك المحافظة على المصلحة الإنجليزية، ومع أنه حقق رجاء «أربثنوت» فقام بتفسير موقف هذا الأخير أثناء مفاوضات القسطنطينية، وكتب إلى الألفي في 15 يونيو يخبره بما فعله الديوان العثماني في المسألة التي كان قد كلف بها محمد أغا وينبئه بقرب وصول القبطان باشا بعد أيام قلائل، فإنه من ناحية أخرى لم يلبث أن أبدى شكوكه ومخاوفه من نتيجة هذا الاتفاق، وبسط العوامل التي رأى أنها سوف تقضي عليه بالفشل، كما أنه وقد توقع حدوث الفشل، قد راح يلفت نظر المسئولين إلى ضعف تحصينات الإسكندرية وعجزها عن رد أي عدوان قد يأتيها من جانب فرنسا إذا قامت الحرب بين هذه الأخيرة وبين الإنجليز، ويطلب لذلك ولإقناع الأهلين بأن إنجلترة تهتم حقا بأمرهم وجود مركب حرب إنجليزي في مياه الإسكندرية.
ففي رسالته إلى «وندهام» في 18 يونيو 1806، أبلغ «مسيت» الوزير إرسال الألفي لأحد رجاله إلى القسطنطينية والغرض من هذه البعثة، ثم استطرد يقول: «إنه يبدو أن عددا من وزراء الباب العالي، إما لرغبتهم في إنهاء الكوارث التي حلت بهذه المقاطعة (مصر)، وإما بسبب تغلب وعود الألفي على ما كان لديهم من نفور وكراهية ضد استرجاع البكوات لوضعهم السابق، قد أخذوا على عاتقهم تأييد آراء الألفي ووجهات نظره، وحصلوا على تقرير إرسال القبطان باشا في أسطول كبير وجيش عديد إلى الإسكندرية، مزودا بالأوامر والتعليمات من أجل إرغام الأرنئود على تسليم البلاد للمماليك، ومن المنتظر وصول القبطان باشا هذا في أيام قليلة، ولكنني أخشى أن يقضي غرور الألفي وزهوه وخيلاؤه على هذا المشروع، وترتمي مصر في أحضان فوضى الحرب الأهلية، فإن الألفي في الترتيب الذي عمله مع الديوان العثماني قد عني قبل كل شيء بما يتعلق برفعة شأنه هو نفسه؛ حيث اشترط أن يرقى إلى مشيخة البلد (أو حاكم البلاد) بالاشتراك مع إبراهيم بك الذي استمر محتفظا بهذا المنصب الرفيع سنوات عديدة والذي يبدو أنه قد لا يسلم في استكانة وخضوع بوجود ند له يشاركه على قدم المساواة في هذا المنصب، ولكن هذا ليس في رأيي بالعقبة الكأداء التي يتعثر الاتفاق عليها؛ ففي الفرمانات التي يقال إن الباب العالي قد أصدرها لإعادة امتيازات وحقوق البكوات القديمة إليهم لم يأت أي ذكر مطلقا لعثمان بك البرديسي، وهو الذي اعتبر أثناء غياب الألفي في إنجلترة حاكم المماليك من غير منافس، وهو رجل ذو طموح، ويضع فيه المماليك عموما ثقتهم، وكثيرا ما حصل من الوكلاء الفرنسيين على وعود بمساعدته على نوال المرتبة التي كانت له مدة غياب الألفي، وليس هناك أي شك في أنه سوف لا يخضع لسطوة منافسه، وطالما كان هذا الغريم موجودا فعلى الألفي أن يشن حربا يشك في نجاحها من أجل انتزاع كل شبر من الأرض التي ربما يمني نفسه الآن بأنه سوف يسمح له بحكمها في هدوء وسلام.»
अज्ञात पृष्ठ