मिस्र फी मतलाक क़र्न तासी कशर
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
शैलियों
ولما كان البكوات منقسمين على أنفسهم، وتشتد المنافسة - على وجه الخصوص - بين محمد الألفي وبين عثمان البرديسي؛ فقد استطاع خسرو أن يستميل للتفاهم معه عثمان بك حسن، وكان هذا رجلا مسالما ظل بمنأى عن مشاحنات البكوات ومنافساتهم، واستند خسرو في مفاتحة عثمان بك حسن في موضوع التفاهم والاتفاق معه على كتاب بعث به إليه قائمقام الصدارة العظمى بالآستانة سيد عبد الله باشا في 30 يوليو سنة 1802، يبلغه فيه رسميا قرار الباب العالي بشأن المماليك بعد أن صفح عنهم بسبب وساطة حلفائه وأصدقائه الإنجليز، وهو يطلب من البكوات الخروج من مصر والانسحاب إلى أي مكان يختارونه من بين رودس وكريت وسالونيك وأزمير والقسطنطينية، وأن ينالوا من المرتبات ضعف ما اقترحه لهم الصدر الأعظم سابقا، وقد طلب عبد الله باشا من خسرو أن يعلن للمماليك عفو الباب العالي عنهم إذا قرروا قبول هذه الشروط، وأن يهيئ لهم أسباب الانتقال من مصر مع قبول من يعثر عليه منهم بعد انسحاب البكوات كجند في جيش الدولة.
وكان غرض خسرو من استمالة عثمان بك حسن إغراء البكوات زملائه الآخرين على الحضور إلى القاهرة لإرسالهم إلى القسطنطينية أو إلى أي مكان آخر يريدونه حسب التعليمات المرسلة إليه من الباب العالي، وأفلح مسعى خسرو مع عثمان بك حسن، فحضر إلى القاهرة مع صالح بك الكبير (أو العجوز) وصالح بك الصغير في أواخر يوليو سنة 1802، ومعهم حوالي الثلاثمائة مملوك، وصرحوا لخسروا بأنهم تركوا البكوات الآخرين؛ لأنه لا يجوز في نظرهم مخالفة أوامر السلطان، ولاعتقادهم بأن إخوانهم عاجزون عن مقاومة حكومة السلطان العثماني في مصر.
واعتزم خسرو أن يتخذ من عثمان بك حسن تكأة في تدابيره مع سائر البكوات، فأكرمه إكراما كبيرا على أمل أن تغري هذه المعاملة البكوات الآخرين على الاقتداء به والمجيء إلى القاهرة.
ولكن خسرو - الذي عزا إليه معاصروه الجهل بفنون الحرب والسياسة وشئون الحكم والإدارة - لم يلبث أن ارتكب في معاملته مع المماليك خطأين ظاهرين؛ وذلك أن بكوات الصعيد الذين استمر يطاردهم طاهر باشا بعثوا إلى القاهرة يطلبون هدنة لمدة خمسة شهور، فاتخذ خسرو من هذا الطلب دليلا على أنهم وصلوا إلى درجة من الضعف والبؤس جعلتهم يقبلون التسليم والخضوع لحكومته، فطلب إليهم بدوره أن يحضروا إلى القاهرة حتى يعيشوا بها كرعايا للسلطان العثماني، خاضعين لسيادته إذا شاءوا أن يعيشوا في أمن وسلام كما فعل عثمان بك حسن، وأبلغهم أنه لما كان الباب العالي قد أصدر صفحه وعفوه عنهم، ففي وسعهم إذا قبلوا عروضه عليهم أن يعتمدوا على حماية الباب العالي لهم.
وكان خطأ خسرو الظاهر أنه استثنى من هذا العفو الذي وعد به، ومن هذه الحماية التي ذكرها، رؤساء البكوات وكبارهم: عثمان البرديسي، ومحمد الألفي، وإبراهيم بك (الكبير)، وسليم بك أبو دياب؛ الأمر الذي قرب بين البكوات ثانية، فجمعوا كلمتهم ونبذوا عروضه وأوقعوا بجيشه هزيمة كبيرة في أوائل سبتمبر سنة 1802، في «ألهوه-أولهو» بإقليم بني سويف، ومكنهم هذا النصر من النزول إلى الوجه البحري ينهبون ويسلبون ويفرضون على القرى الغرامات والإتاوات الفادحة.
وأخطأ خسرو مرة ثانية عندما استمر في استعداداته العسكرية للانتقام من هذه الهزيمة، في الوقت الذي اعتزم فيه مفاتحة البكوات في الصلح والاتفاق معهم، فعرض عليهم بواسطة عثمان بك حسن، دون أن يأمر بوقف القتال، إقطاعهم الأراضي الممتدة من إسنا إلى آخر الحدود المصرية، ولما كان هؤلاء قد ساورتهم الشكوك في نواياه، ولم تشتمل عروض خسرو على إقليم جرجا الذي كان قد اقترح الوسطاء الإنجليز على الباب العالي إعطاءه لهم، فقد صمموا على ضم هذا الإقليم بأسره إليهم، ورفض خسرو وصمم بدوره مناجزتهم.
وكان خسرو في أثناء مفاوضته مع البكوات قد سير جيشين إلى الوجه البحري؛ أحدهما بقيادة يوسف بك من أعوانه ومعه طاهر باشا، والآخر بقيادة محمد علي؛ وذلك للإطباق على دمنهور، المكان الذي اجتمعت به - منذ نزولها من الصعيد - قوات المماليك بقيادة البرديسي والألفي، وقصد خسرو من إرسال جيشيه تعزيز مفاوضاته، فلما فشلت هذه المفاوضات ظهر جيش يوسف بك أمام دمنهور، وكان جيشا كبيرا أزعج الإنجليز أصدقاء البكوات، وكانوا - كما قدمنا - لا يزالون مرابطين بالإسكندرية، فنصحوا للألفي أقرب أصدقائهم بضرورة تجنب الالتحام مع الأتراك؛ توقيا للهزيمة التي توقعوها، ولكن الألفي عجز عن إقناع زملائه، وانقسم البكوات مرة أخرى؛ فغادر الألفي دمنهور بأتباعه متجها صوب الإسكندرية، وترك البرديسي لقتال العثمانيين.
واعتمد يوسف بك على اشتراك جيش محمد علي معه في المعركة المنتظرة، ولكن محمد علي لم يجد في سيره، وآثر عند وصوله أن ينال جنده قسطا من الراحة، فخاض يوسف بك المعركة وحده في 23 نوفمبر سنة 1802، ودار القتال في سهل منبسط بالقرب من دمنهور، مكن المماليك من استخدام فرسانهم بصورة ألحقت بجيش يوسف بك هزيمة كبيرة، ونجا يوسف بك نفسه من الهلاك بمشقة عظيمة، ثم صار يشكو شكوى مرة من إبطاء محمد علي وتقاعسه وعدم الدخول بقواته في المعركة.
وفي رأي كثيرين من المعاصرين أن معركة دمنهور تحدد بداية ذلك التطور الذي أخذ يحدث تدريجيا في تفكير محمد علي، وبداية تعيين موقفه من مجريات الأمور في مصر؛ إذ من الثابت أنه لو اشترك في معركة دمنهور لكانت النتيجة على خلاف ما حدث، ولكنه تعمد عدم الدخول في هذه المعركة لإنقاذ البكوات من هزيمة محققة، وذلك لأسباب عدة: فقد لاحظ محمد علي أن الأمور صارت تجري في مصر منذ عودة العثمانيين إليها، كما لو كانت مصر «بلدا مفتوحا»، تخضع لنهب وطغيان عصابات من اللصوص وقطاع الطرق الذين لا هم لهم سوى استنزاف مواردها والاستبداد بالسلطة فيها؛ لتنفيذ مآربهم حتى أضحت الأطماع والمصلحة الذاتية وحدها هي المتسلطة وسط هذه الفوضى الشاملة.
ورسخ في ذهن محمد علي أن الباشا العثماني خسرو محمد رجل محكوم عليه بالفشل سلفا؛ لأنه لن يستطيع جمع زمام الأمور في يده بسبب ما هو واقع فعلا من تنازع على السلطة بينه وبين المماليك من جهة، ثم بينه وبين رؤساء الجند من جهة أخرى، ويعتمد هؤلاء الأخيرون على ما لديهم من قوات يعجز خسرو عن إخضاعها له بسبب مطالبة الجند المستمرة بمرتباتهم المتأخرة، وخلو خزانة الباشا من المال اللازم لدفعها، وفضلا عن ذلك فقد رأى محمد علي أن البكوات مستأثرون بإيرادات البلاد بسبب خضوع القسم الأكبر من الأقاليم المصرية لسلطانهم، ولهم فوق ذلك من الإرادة والعزم - كعنصر شهد بنفسه نشاطه - ما يضمن تفوقهم على الباشا العثماني؛ وعلى ذلك، فقد كان من رأي محمد علي قبل المساعدة على تحطيم البكوات أن يتم أولا تقرير المسألة في القاهرة ذاتها موئل السلطة العثمانية التي يمثلها خسرو باشا؛ أي تحرير خسرو من العوامل المتعددة الضاغطة عليه والتي حكم محمد علي سلفا بأنها قاضية عليه لا محالة.
अज्ञात पृष्ठ