فالنار تأكل نفسها
إن لم تجد ما تأكله
تسمع مصر في كل يوم تهديدا غريبا يأتيها من قطر عربي شقيق، أو بلد شيوعي معاد .. ومصر لا تهتز فيها شعرة ولا تعير هؤلاء الحساد اهتماما.
ويخرج من قلب مصر أفراد أعمى الله بصائرهم وطمس على قلوبهم وأظلم أفئدتهم؛ فقاموا يعادون مصر ويشهرون بمصر وهم محسوبون مصريين يأكلون زرعها ويشربون ماءها وينعمون بخيراتها .. قاموا يتمسحون بالشعب ويقولون نحن أهله وعشيرته وحماته وعصبته، وهم ليسوا منه في شيء، إلا كما يكون الجهل من العلم والطيش من الحلم وأفن الرأي من صحة الحكم .. إنهم فئة مأجورة قامت تخرب ممتلكات الشعب وتنهب خيراته وأقواته .. ومع ذلك فمصر لا تكترث ولا تبالي.
ويتكاتف الأعداء ويحيكون المؤامرات، ويعقدون المؤتمرات، ويسلطون الأقلام المأجورة، وينشرون الإرهاب، ويعلنون الحروب النفسية القاتلة .. ومع ذلك فإن مصر لا تبالي.
مصر فوق الجميع .. مصر فوق أولئك الأقزام .. مصر عالية شامخة، رأسها في السماء، وجبينها يلتقي بجبين السماء العريض، وعنقها يخترق السحب، وقدماها في قاع النيل العميق .. مصر عملاق جبار، وطود ثابت الأركان، وصرح راسخ البنيان .. مصر لا تنال ولا تمال ولا تقيد بقيد، ولا تربط بالسلاسل والأغلال .. مصر عملاقة تعرف ما تريد، وتعمل لما تريد، لا تنال منها المهاترات، ولا تجيفها الخزعبلات، ولا ترهبها رصاصات طائشات .. الكل يعرف أن مصر قلعة العروبة، لها قلب من الفولاذ، وجسد قد من الصوان، لا يجرح ولا يخدش ولا يذوب أو يتآكل بأية حال من الأحوال.
حقا، ما أشجعك، يا مصر! الكل يخافك وأنت لا تخافين أحدا .. الكل يعمل لك ألف حساب، أما أنت فدائما مبتسمة هادئة هانئة صابرة، عارفة بالخير وتعملين للخير، ولا تخطئين أخطاء الغير .. فإن تجنوا لم تتجن هي، وإن اعتدوا ما اعتدت، وإن سخروا لم تسخر، وإن تمادوا في غيهم ما تمادت .. شأن من لا يخاف ولا يهلع، ولا يهاب ولا يفزع .. أنا مصري لا أعرف الخوف .. لأن بلدي لا يزرع الخوف كما لا يزرع الشوك .. أنا من نتاج مصر؛ لذا فإني شجاع حقا، قلبي من الخوف خلاء، وهذا من فضل ربي الذي ينفذ كل ما أراد وشاء.
مصر فوق النقد
هناك فرق كبير بين أن ينتقد المصريون بلدهم، وبين أن ينتقده غيرهم .. ونحن إذ ننتقد مصر، كمصريين، إنما نعالج أوضاعنا وننتقد ذاتنا من أجل صلاحنا وإصلاح بيتنا وترتيب ما يحتاج فيه إلى ترتيب.
ولكننا لا نقبل نقد الآخرين، فلهم أوطانهم ومن حقهم أن ينتقدوها ما طاب لهم أن ينتقدوا، فهذا ليس من شأننا، بل هو شأنهم وحدهم .. ولا دخل لنا في نقدهم أوطانهم طالما لا يتعرض لغيرهم.
अज्ञात पृष्ठ