مصر العبور
كل شيء يمكن أن ينسى إلا شيئا واحدا .. فقد ينسى المرء نفسه، وقد ينسى كل حدث يجري في حياته .. ولكنه لا يستطيع أن ينسى مصر العبور .. فمصر العبور أسطورة خرافية نسج خيوطها أبطال مصر المغاوير من جنودها وبحارتها وطياريها .. مصر العبور عمل خالد خلود الدهر .. وسد منيع يحمي سمعة مصر لقرون وقرون .. مصر العبور تيار جارف، لججه خليط من الشجاعة والبسالة والإقدام والجسارة، والشهامة والبراعة .. مصر العبور فوق كل عبور عرفه التاريخ قويا .. مصر العبور حدث ولا كل الأحداث، بل هو فوق كل الأحداث .. هو حدث جلل يذكر بالإعزاز والإجلال والإكبار والتهليل والتكبير .. مصر العبور هي مصر الأمل ومصر البلد ومصر البشر، مصر الزرع والنبت والمصنع والجامع والكنيسة والجامعة والمدرسة، والحقول والصحراء والنيل .. مصر العبور هي السماء والشمس والنجوم والليل والنهار والأرض والنهر والبحر والمحيط والجبال والتلال والآكام والغابات والرجال والأموال .. مصر العبور هي أحلى مصر على مر التاريخ، وأجمل امرأة رأتها عيون المصريين والإسرائيليين، بل والعالم أجمع في كل العصور .. مصر العبور هي أحن أم ولدتها البشرية جمعاء .. أم تذود عن عرضها وشرفها وكرامتها وهامتها وجسدها بشراسة الأسود ووحشية النمور وجبروت الأفيال وعنف وحيد القرن العاتي الشديد .. مصر العبور أب مارد منتصب القامة، رأسه في السماء وأقدامه في قاع النيل .. إن شرب نهل من أمطار السماء، وإن اغتسل فبمياه النيل الطويل .. يداه تمسكان بالنجوم، ورأسه يناطح الشمس كأنه لاعب يضرب الكرة برأسه فترتد عالية .. مصر العبور قوة مريدة فريدة، سهامها من الشهب، وزئيرها من قصف الرعد، وأنفاسها من لهب جهنم .. مصر العبور هي مصر الخير العميم، ومصر التي تعطي ولا تأخذ، تهب ولا تطلب، وتسعى ولا تستجدي، تقبل حانية، وتربت باكية، وتواسي معزية، وتهمس مشجعة، وتناجي دافعة، وتكسو كافية، وتلحف شافية .. مصر العبور هي مصر التي يراها العالم اليوم، ويتعامل معها الأشراف وحدهم، ويحترمها من هم أهل للاحترام والتبجيل والتوقير، وأهل لاحترامها هي بالذات.
مصر مع الجميع
مصر الكبيرة كبيرة في قلبها، كبيرة في حبها .. كفها تسع الجميع، ممدودة للجميع، تعانق الجميع .. مصر لا تفرق بين عدو أو صديق .. مصر لا تحابي ولا تمالق ولا تجانب، وإن جانبت فمع الحق البين .. مصر لا تكابر، وإن كابرت فمن أجل الحق والعدل السليم القويم .. مصر تناضل، وتاريخها كله حافل بالنضال؛ نضال الأبطال الشرفاء .. فمصر بحق أمة الأبطال، وأبطالها الصناديد قاموا بالمعجزات، وحققوا لها الآمال على مر القرون والأجيال.
مصر بلد مسالم، تسالم من يسالمها وتعانق من يعانقها، وتهادن من يهادنها، ولكنها لا تخنع ولا تحني رأسها .. لا تضام ولا تهان، كما أنها لا تضرب ولا تصفع ولا تركل .. حاراتها أسود، وشوارعها ضراغم، ونجوعها مقابر للمكابرين الظالمين المعتدين الشامتين.
مصر الزرع هي مصر الضرع، تطعم الجائع وتروي الظمآن .. هي مأوى للجميع، جميع القاصدين المحبين الصادقين المؤمنين الصالحين، الذين هم على عقيدة ودين.
إذن، فمصر للجميع ومع الجميع .. مع كافة الناس، مع الأقوام المحتشدين المتكتلين تحت لواء الدين والكرامة والصوت الشريف الأمين .. مصر مع الجميع وأم للجميع، ويسعدها أن تكون كذلك هي المسئولة عن الحق والصدق والعدل .. هي المسئولة عن القيم الروحية والأخلاق والمثل العليا السامية الهادية الراقية والداعية إلى الخير والنقاء والصفاء والتسامح والتآخي والمحبة الخالصة.
مصر تسعى إلى خير الجميع .. تناضل مع المناضلين، وتكافح مع المكافحين، لا تهن ولا تلين، لا تضعف ولا تستكين، لا تتقاعس ولا تنحاز إلى يسار أو يمين .. العالم كله في أحضانها، وهي في أحضان العالم كله.
مصر التي هي أم الجميع، تعامل الجميع كما لو كانوا أبناءها، وكما تعامل أية أم أولادها. فالجميع من طين، والكل إلى الطين يرجعون .. الكل عند مصر سيان، سواء أكان الطين أسود أو أحمر أو أصفر .. المهم أن تكون أما لكل مخلوق من طين، وآمن بالله واليوم الآخر والدين، واعترف بها أما لا تغفل ولا تهمل ولا تلين .. إنها أم صالحة تقية ورعة مباركة .. أرضها أرض الأديان، وشعبها يصلي ويصوم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر والبغي .. نيلها يجري فيسقي الظمآن والعطشان، وقطنها الأبيض يكسو العريان، وشمسها الرءوم تشفي العليل والمرضان، وتحت سمائها لا يقوم زور ولا إفك ولا بهتان ، ولا هراء ولا هذيان.
مصر هي التاريخ
अज्ञात पृष्ठ