مِرْقَاةُ الصُّعُود إلى سُنَن أبي داود
لِلإِمَامِ الحَافِظِ
أَبِي الفَضلِ جَلَالِ الدِّينِ عَبْدِ الرَّحمن السّيُوطِيّ
٨٤٩ - ٩١١ هـ
بِعِنَايَةِ
محمَّد شايب شريف
المُجلَّد الأوَّل
دار ابن حزم
1 / 1
حُقُوقُ الطَّبعِ مَحفُوظة
الطّبْعَة الأولى
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
ISBN ٩٧٨ - ٦١٤ - ٤١٦ - ٢٣٧ - ٨
الكتب والدراسات التي تصدرها الدار تعبر عن آراء واجتهادات أصحابها
دار ابن حزم
بيروت - لبنان - ص. ب: ٦٣٦٦/ ١٤
هاتف وفاكس: ٧٠١٩٧٤ - ٣٠٠٢٢٧ (٠٠٩٦١١)
البريد الإلكتروني: [email protected]
الموقع الإلكتروني: www.daribnhazim.com
1 / 2
مِرْقَاةُ الصُّعُود إلى سُنَن أبي داود (١)
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4
تقديم
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد كتب الحافظ جلال الدّين السيوطي - الغنيّ عن التعريف -، تعليقات على الكتب الستّة: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، طبع من هذه التعليقات إلى غاية كتابة هذه السطور - فيما أعلم - ثلاثة، وهي:
- تعليقه على صحيح البخاري المسمّى: التوشيح شرح الجامع الصحيح (١).
- وتعليقه على صحيح مسلم المسمّى: الدّيباج على صحيح مسلم بن الحجّاج (٢).
- وتعليقه على سنن النسائي المسمّى زهر الرّبى على كتاب المُجتبى (٣).
وبقي منها لم يطبع:
- تعليقه على سنن أبي داود المسمّى: مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود.
_________
(١) ط بمكتبة الرشد سنة ١٤١٩ هـ/١٩٩٨ م بتحقيق رضوان جامع رضوان.
(٢) ط بدار ابن عفان سنة ١٤١٦ هـ/١٩٩٦ م بتحقيق أبي إسحاق الحويني.
(٣) طبع طبعة قديمة بهامش سنن النساني.
1 / 5
- وتعليقه على سنن الترمذي المسمّى: قوت المغتذي على جامع الترمذي.
- وتعليقه على سنن ابن ماجه المسمّى: مصباح الزّجاجه على سنن ابن ماجه.
وها أنا اليوم أنفض الغُبار عن أحد هذه التعليقات المتبقّية، وهو مِرْقاة الصّعود على سنن أبي داود، وذلك بخدمته والاعتناء به، بعد أن كان في رفوف الخزائن مخطوطًا، ليخرج في هذه الحلّة القشيبة التي تراها، فينضاف إلى ما طُبع من تراث هذا الإمام الشهير، وعسى أن يكون عملنا هذا حافزًا لغيرنا من الباحثين في هذا المجال إلى إخراج ما تبقّى من تعليقاته فتكتمل المجموعة، ونكون بذلك قدّمنا خدمة لإحدى دواوين السنَّة النبوّية الشريفة.
وفّق الله الجميع لإعلاء كلمته وخدمة سنّة نبيه، آمين.
كتبه
محمد شايب شريف
بالجزائر من سنة ١٤٣١ هـ/ ٢٠١٠ م
*****
1 / 6
نبذة عن الكتاب
مرقاة الصّعود إلى سنن أبي داود هو الكتاب الثّالث للسيوطي ضمن مجموعة تعليقاته على الكتب الستّة، حيث قال في مقدّمته: "هذا الكتاب الثالث ممّا وعدت بوضعه على الكتب الستّة ... ".
بعد خطبة الكتاب ذكر السيوطي نبذة عامّة عن محتواه فقال: "لخّصت فيه معالم السنن للإمام أبي سليمان الخّطابي، وضممت إليه الفوائد الزّوائد والفرائد الشّوارد".
بعد ديباجة الكتاب، استهلّ المصنّف تعليقه هذا، بذكر رسالة أبي داود لأهل مكّة في وصف سننه، ثّم ضمّ إلى ذلك بعض الفوائد كالكلام على روايات سنن أبي داود المختلفة، والكلام على الشروح التي ألّفت على السنن.
ثّم شرع المؤلّف في التعليق على الأحاديث، وطريقته في ذلك أن يذكر اسم الكتاب ثمّ يورد اللّفظة أو الجملة المعلّق عليها، دون ذكر الحديث كاملًا، ودون ذكره للباب أيضًا إلَّا نادرًا، كما أنه لم يعلّق على كلّ الأحاديث ولم يتطرق لكلّ أبواب الكتاب، وإنّما انتقى من ذلك ما رآه - في نظره - أولى بالعناية.
ولم يقتصر السيوطي في تعليقه هذا على ضبط الألفاظ وتفسير الغريب وتوضيح المبهم، كما فعله في تعليقاته السّابقة، بل تعدّاها إلى ذكر كثير من الأحكام الفقهيّة والمسائل العقديّة والفوائد اللّغويّة والتاريخيّة والحديثيّة
1 / 7
والأصوليّة وغير ذلك، ممّا ستراه مبثوثًا في صفحات الكتاب، حتى أنّه توسّع في بعض المواضع فبلغ ما كتيه على بعض الأحاديث الصفحات العديدة.
أمّا عن موارد السيوطي في كتابه هذا، فبالإضافة إلى ما ذكره هو من اعتماده على معالم السنن للخطابي، فقد أضاف إلى ذلك الكثير من النقول من كتب أخرى خصوصًا النهاية في غريب الحديث لابن الأثير الذي اعتمد عليه أساسًا بعد معالم السنن، والجدير بالذكر هو استفادته أيضًا من كتب غير موجودة الآن أو على الأقلّ ما تزال مخطوطة، كشرح العراقي على سنن أبي داود، وشرحه على سنن الترمذي، وأمالي العزّ ابن عبدالسلام، وأمالي الحافظ العراقي، وشرح الطيبي على مشكاة المصابيح، والقطعة التي كتبها النووي على سنن أبي داود، هذه الأخيرة طبعت مؤخرًا، غير أنّه بالمقارنة بينها وبين ما نقله السيوطي منها، نجد عند السيوطي زيادات ليست في المطبوعة، مما يدلّ أن السيوطي اطّلع على نسخة أكمل من التي اعتمدها المحقّق في إخراج القطعة المشار إليها.
******
1 / 8
وصف النسخ المعتمدة في التحقيق
اعتمدت في تحقيق كتاب مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود، على ثلاث نسخ:
الأولى: من محفوظات وزارة الأوقاف الكويتية، أمدّني بمصوّرة منها، أخونا البحّاثة، إبراهيم الميلي الجزائري، وهي تقع في ١٩١ لوحة، نسخت سنة ١٠٦٧ هـ وليس فيها اسم الناسخ، معدّل عدد الأسطر في كلّ صفحة ٢٥ سطرًا، ومعدّل عدد الكلمات في السطر الواحد ١١، وإلى هذه النسخة أرمز بالحرف: "أ".
الثانية: من محفوظات الزاوية العثمانية بطولقة بالجنوب الجزائري قام بتصويرها لي أخونا الفاضل لحسن بلعلجية، وهي تقع في ١٣٨ لوحة نسخت سنة ٩٨٤ هـ وليس فيها اسم الناسخ. معدل عدد الأسطر في كلّ صفحة ٣٥ سطرًا، ومعدّل عدد الكلمات في السطر الواحد ١١، وإلى هذه النسخة أرمز بالحرف: "ب".
الثالثة: من محفوظات مكتبة كوبريلي بتركيا، تقع في ١١٣ لوحة، ليس فيها تاريخ نسخ ولا اسم الناسخ. معدل عدد الأسطر في كلّ صفحة ٣٣، ومعدّل عدد الكلمات في السطر الواحد ١٥، وإلى هذه النسخة أرمز بالحرف: "ج".
***********
1 / 9
المنهج المتّبع في التّحقيق
قمت بنسخ الكتاب على الرّسم المتعارف، معتمدًا على النّسخ الثلاث الّتي تمّ وصفها، وقد سرتُ في ذلك على طريقة النصّ المختار، فأثبتّ ما اتفّقت عليه النّسخ الثلاث، وعند الاختلاف أثبت ما اتفقت عليه نسختان وخلاف النسخة الأخرى أثبته في الهامش، وقد أرجّح بين النسخ بالرّجوع إلى موارد السيوطي المطبوعة كمعالم السنن والنهاية في غريب الحديث وفتح الباري وسنن البيهقي، وغيرها كثير، وقد كان هدفي من ذلك كلّه محاولة تقديم نصّ سليم على قدر الإمكان كما أراده مؤلّفه، إذ هذا هو الغاية من التحقيق.
ولمّا كان السيوطي في كتابه هذا، لا يذكر الحديث بتمامه، وإنّما يقتصر على اللّفظ المعلّق عليه، ودون ذكره للباب أيضًا إلَّا نادرًا، رأيت من المفيد - تسهيلًا على القارئ - أن أثبت الحديث بتمامه في أوّل كلّ تعليق مع ذكر الباب. ولهذا الغرض اعتمدت على سنن أبي داود المطبوع، وقد كانت بحوزتي ثلاث طبعات:
- الطبعة التي قام بتحقيقها الشيخ محيي الدّين عبدالحميد.
- الطبعة التي قام بتحقيقها عزّت عبيد الدعّاس وعادل السيّد.
- طبعة دار السلام بالرياض والتي أشرف عليها صالح آل الشّيخ.
وأثناء عملي رأيت بعض الفروق بين سنن أبي داود المطبوع، وما وقع التعليق عليه عند السيوطي، وتمثّلت هذه الفروق في:
1 / 10
- ترتيب بعض الأحاديث يختلف عند السيوطي عمّا هو موجود في سنن أبي داود المطبوع.
- بعض الألفاظ المعلّق عليها تختلف عمّا هو موجود في سنن أبي داود المطبوع.
وهذا راجع إلى اختلاف النسخ أو الرّوايات لسنن أبي داود. وقد أشرت إلى هذه الفروق في الهامش، كما ستراه في موضعه.
- قمت بترقيم الأحاديث المعلّق عليها، وسيجد القارئ أمام كلّ حديث رقمين، الأوّل يمثّل الترتيب التسّلسلي للأحاديث المعلّق عليها، والثاني رقم الحديث في سنن أبي داود.
**********
1 / 11
نماذج من صور المخطوطات
1 / 13
النسخة أ
1 / 15
النسخة أ
1 / 16
النسخة ب
1 / 17
النسخة ب
1 / 18
النسخة ج
1 / 19
النّصّ المحقّق
1 / 21
[افتتاحية الكتاب]
الحمد لله على آلائه (١) الجَمّة، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له شهادة تزيح كلّ كرب وغمّة. وأشهد أنّ سيّدنا محمدًا عبده ووسوله، الذي أنار بشريعته البيضاء حَلك اللّيالي المدلهمة، ﷺ وعلى آله (وصحبه) (٢) المخصوصين بعلوّ الهمّة.
هذا الكتاب الثّالث ممّا وعدت بوضعه على الكتب الستّة، وهو تعليق على سنن أبي داود على نَسق (٣) ما علّقته على الصّحيحين، لخّصت فيه معالم السُّنن للإمام أبي سليمان الخطّابي، وضممت إليه الفوائد الزوائد، والفرائد الشواود، وسمّيته: "مرقاة الصُّعود إلى سنن أبي داود". جعله الله مقرونًا بالإخلاص، مشمولًا بالقبول، نافعًا يبلغ من خيري الدّنيا والآخرة أعظم مأمول.
*************
_________
(١) في ب: "نعمه".
(٢) غير موجود في ج.
(٣) في ج: "سنن".
1 / 23
مُقدّمة
قال أبو داود في رسالته إلى أهل مكّة:
"سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلَّا هو، وأسأله أن يصلّي على محمّد عبده ورسوله ﷺ كلما ذُكِر، أمّا بعد:
عافانا الله وإيّاكم عافية لا مكروه معها، ولا عقاب بعدها، فإنّكم سألتموني أن أذكر (١) لكم الأحاديث التي في كتاب السُّنن أهي أصحّ ما عرفت (في الباب) (٢)، ووقفتُ على جميع ما ذكرتم، فاعلموا (٣) أنّه كذلك كلّه، إلَّا أن يكون قد روي من وجهين صحيحين وأحدهما أقوى إسنادًا والآخر صاحبه أقدم في الحفظ، فربّما كتبت ذلك، ولا أرى في كتابي من هذا عشرة أحاديث. ولم أكتب في الباب إلَّا حديثًا أو حديثين، وإن كان في الباب أحاديث صحاح فإنّه يكثر، وإنمّا أردت قُرْب منفعته.
وإذا أعدت الحديث في الباب من وجهين وثلاثة فإنّما هو من زيادة كلام فيه، وربّما فيه كلمة زائدة على الأحاديث، وربمّا اختصرت الحديث الطويل لأنّي لو كتبته بطوله لم يعلم بعض من سمعه ولا يفهم موضع الفقه منه فاختصرته لذلك.
_________
(١) في ج: "أكتب".
(٢) غير موجود في ج.
(٣) في ج: "واعلموا".
1 / 25