تخلفت عن السفر إلى القاهرة لإنجاز أعمال عاجلة وهامة. اتصلت بي درية بالتليفون مستغيثة من وحدتها المضنية. ولما تلاقينا في الأسبوع التالي قالت لي بعصبية: جاء دوري لمطاردتك!
فقبلت يديها ونحن نستقل بحجرة منفردة بفلورينا، ثم أوجزت لها أخباري المتضمنة عذري. وكانت قلقة متوترة الأعصاب فأكثرت من التدخين، ولم أكن على حال أحسن. وقلت لها: كنت أدفن نفسي في العمل ولكني أطفو رغم إرادتي ويهمس لي صوت غريب بأن ثمة خطأ في العمل، أو أن أمرا هاما فاتني تدبره، وكثيرا ما أكتشف أنني نسيت شيئا ضروريا في البنسيون أو في المكتب.
فقالت بلهفة: ولكنني وحيدة، ولم أعد أحتمل وحدتي. - نحن في دوامة، ولا نحرك يدا لحل مشكلتنا. - والعمل؟
تفكرت قليلا مطاوعا المنطق وحده، ولكن أي منطق؟ لا منطق لمن تعتصره الانفعالات. كأنما كنت أنقب عن تحديات جديدة. قلت: لو سألنا العقل لأجاب بأن علينا أن نفترق أو أن نسعى إلى الطلاق.
اتسعت عيناها الرماديتان في فزع، ربما لاستجابتها لا لنفورها، وهتفت: الطلاق!
فقلت بهدوء: ثم نبدأ حياة جديدة. - تصرف خارق! - لكنه طبيعي، وأخلاقي إن شئت.
أسندت رأسها إلى يدها ثم سكتت معلنة إفلاسها، فقلت: ألم أقل إننا لا نحرك يدا؟
ثم بعد فترة صمت: خبريني عن فوزي لو كان مكاني؟
فقالت بصوت متهافت: أنت تعلم أنه يحبني. - ولكنه لن يبقي عليك إذا علم أنك تحبينني. - ألا يتسم تفكيرك بطابع نظري جدا؟ - ولكني أعرف فوزي، وهذا واقع! - تصور .. تصور أن يقول ... - إنك تخليت عنه وهو في السجن، أليس كذلك؟ لا قيمة لذلك، تتخلين عنه لا عن مبادئه.
تخيلته وهو مستلق على الكنبة الاستديو، يرمقني بعينيه اللوزيتين السوداوين، يدخن غليونه، يعالج هموما لا حصر لها ولكنه لا يشك في سعادته الزوجية. وسألتني: فيم تفكر؟
अज्ञात पृष्ठ