وعندما آن لنا أن نفترق همس علي بكير في أذني: عما قريب سنعطي إشارة البدء في العمل. •••
دخلت البنسيون والنوم يخيم على أرجائه. وتراءى لي باب منصور باهي الزجاجي وهو ينضح بالضوء فاندفعت بسحر الخمر إلى الاستئذان فالدخول، بلا باعث حقيقي. نظر إلي بشيء من الدهشة وهو جالس على المقعد الكبير. تتجلى في عينيه الصغيرتين الجميلتين كآبة وتفكير. قلت وأنا أتخذ مجلسا على كرسي قريب: لا تؤاخذني .. أنا سكران!
فقال دون مبالاة: هذا واضح .
ضحكت، ثم قلت معاتبا: الحق أني عجزت عن جذبك إلي، يبدو أنك شديد الانطواء.
أجاب بأدب ولكن دون تشجيع ما: لكل طبعه. - لا شك أن رأسك يرهقك.
أجاب بغموض: الرأس أصل البلاء!
فقلت ضاحكا: طوبى لنا نحن أصحاب الرءوس الفارغة! - لا تبالغ فإنك مركز نشاط لا يخمد. - حقا؟ - نشاطك السياسي .. أفكارك الثورية .. غرامياتك!
صدمتني العبارة الأخيرة من قوله ولكن ضاعت الصدمة في مد الموجة الخمرية. ووضح لي أنه لا يرحب بي - إنه لا يرحب بأحد - فصافحته ثم ذهبت. •••
عندما تجيء زهرة إلى حجرتي بالشاي أتخلى عن أفكاري ومشروعاتي ويتفرغ قلبي للحب الحقيقي وحده. ولكن وجهها تبدى صلبا متحجرا مصفرا من الغضب. ونظرتها الثابتة الكالحة المتحفزة المخيفة ملأت قلبي بالقلق والتشاؤم. قلت بإشفاق: زهرة .. لست كعادتك!
قالت بحنق متفرس: لولا أن لله حكمته التي هي فوق العقول لكفرت!
अज्ञात पृष्ठ