मिन्ना वॉन बार्नहेल्म
مينا فون بارنهلم
शैलियों
وأحداث «مينا فون بارنهلم» كما سبقت الإشارة، تدور في أيام حرب السنين السبع (1756-1763م)؛ لذلك آثرنا أن نلخص الظروف التاريخية التي لابست حرب السنين السبع حتى نفهم القطعة في زمانها ومكانها.
وينبغي لنا أن نعود إلى الوراء، إلى جذور حرب السنين السبع، لنحسن تصورها، ولعل جذورها تبدأ من نشأة بروسيا وتحولها إلى قوة فعالة على يد الأمراء من آل هوهنتسوليرن. ويذكر التاريخ أن أسرة هوهنتسوليرن أصلها من منطقة شفابن المشهورة برجالها المجدين المثابرين الأفذاذ إلى يومنا هذا، وأنها نزحت إلى نورنبرج حيث أصبح أفراد منها بورجرافات نورنبرج. حتى إذا جاء عام 1415م قرر القيصر الألماني زيجسموند رفع البورجراف فريدريش فون هوهينتسوليرن إلى مرتبة ماركجراف لمنطقة براندنبورج (المنطقة حول برلين، ولم تكن برلين في ذلك الوقت ذات شأن)، وبهذا أصبح ضمن الأمراء الألمان الناخبين؛ أي الذين يحق لهم الاشتراك في انتخاب قيصر الدولة الألمانية الذي يجمع الإمارات والمناطق المختلفة تحت لوائه. وظل أولاد فريدريش فون هوهنتسوليرن وأحفاده يوسعون رقعة بلادهم حتى امتد ملكهم من الراين إلى الأودر (في صورة مناطق غير متصلة)، بل وشمل منطقة شرق نهر الفايكسل داخل الأراضي البولونية، علاوة على جزء من برويسنلاند كان الفرسان الألمان قد غزوه حول عام 1300م. وفي عام 1657م نجح الأمير الناخب الأكبر في الحصول على استقلال بروسيا استقلالا ذاتيا تاما، ومهد بذلك لتحويلها إلى مملكة، وخلفه ابنه فريدريش الثالث وكان كأبيه أميرا ناخبا في الرايخ ينضوي تحت لواء قيصر الرايخ. وقرر أن يتوج نفسه ملكا معتمدا على استقلال بروسيا ومتوسلا بكافة الوسائل. وتم التتويج في 18 يناير 1701م بمدينة كونجسبرج (ضمتها روسيا إلى أرضها بعد الحرب العالمية الثانية ضمن الجزء الشمالي من بروسيا الشرقية)، وسمى نفسه فريدريش الأول ملك بروسيا.
كان فريدريش فيلهلم الأول ملكا حازما صارما، جنديا لا هم له إلا الجندية وتطورها، حتى لقد أطلق عليه اسم «ملك الجنود». وقد بذل جهدا كبيرا في خلق الجندي الذي يحترف الجندية ولا يمارس عملا آخر سوى الدفاع عن الوطن وخوض المعارك، ويتحرك بدافع سام هو شرف الجندية وكرامة الجندية. وهكذا تحولت بروسيا إلى دولة جنود - كما يقولون - وأصبح لها جيش من الطراز الأول سيظهر نشاطه في السنوات التالية. وكان فريدريش الأول يقسو على ابنه في التربية كل القسوة فأدخله الجيش وهو في العاشرة، ورقاه ضابطا في سن الخامسة عشرة، وكلفه بكل أعمال الدولة من أبسطها إلى أصعبها، فكان يمضي الليل واقفا لحراسة المعسكرات طول الليل كأي ديدبان في الجيش، وكان يقوم بالأعمال الكتابية والإدارية البسيطة، كأي كاتب في الحكومة. وهكذا منع فريدريش الأول ابنه عن ممارسة الأدب والموسيقى لاعتقاده أنها توهن العزم، وفرض إرادته على ابنه على نحو تعسفي حتى اضطر ابنه إلى الفرار، فقبض عليه وحكم عليه بالإعدام وأصر على تنفيذ الحكم لولا تدخل كبار الضباط، ثم عفا عن ابنه، بعد سجنه، وتصالح معه وعينه قائدا لسلاح المشاة ومنحه ضيعة وقصرا.
فلما مات فريدريش الأول عام 1740م خلفه على العرش ابنه هذا، يجمع بين خشونة العسكرية وميل إلى الآداب والفنون والأفكار التحررية الجديدة التي بثها فلاسفة عصر التنوير. وتصادف أن مات في العام نفسه كارل السادس قيصر ألمانيا وكان من آل هابسبورج ويحكم ملك الهابسبورجيين (المجر، النمسا، سيليزيا ... إلخ) الموروث، ولم يكن له ولد، فأوصى في حياته بأن ترث ابنته ماريا تريزيا حكم الأملاك الهابسبورجية، وجمع الوعود من الحكام المختلفين في أوروبا ليسهروا على تنفيذ الوصية، ولكن هذه الوعود كانت حبرا على ورق؛ فما كاد كارل يموت حتى تربصت دول أوروبية مختلفة بالأميرة الصغيرة تريد أن تلتهم أملاكها. وانتهز ملك بروسيا الجديد الفرصة وعرض على ماريا تريزيا أن تنزل عن منطقة سيليزيا ويتعهد لقاء ذلك بمساعدتها ضد المتربصين بها. واختلق أسبابا واهية وإثباتات خبيثة يدلل بها على أحقيته في المنطقة. وكان هدف فريدريش فيلهلم الثاني واضحا، كان يريد من ناحية أن يحول نهر الأودر إلى نهر بروسي يجري في أملاكه وحده، وكان من ناحية ثانية، يريد أن يوسع ملكه ويحوله إلى دولة أوروبية عظمى. ورفضت ماريا تريزيا العرض فانقض الملك البروسي على سيليزيا واستولى عليها. وتعرضت النمسا في الوقت نفسه لهجوم جيوش فرنسية وجيوش بافارية، وبذلت ماريا قصارى جهدها لصد الهجوم، وانتهى الأمر بصد الجيوش الفرنسية والبافارية وردها، وضاعت سيليزيا عليها (الحرب السيليزية الأولى والثانية 1740-1744م).
وبدأت فترة من السلام دامت 11 سنة، ثم تكهرب الموقف من جديد. كانت الأحوال في أوروبا قد تغيرت، وتغيرت بتغيرها سياسة الدول المختلفة، بروسيا تحولت إلى دولة عظمى، روسيا وفرنسا والنمسا ومعها إمارات ألمانية مختلفة تحولت إلى جبهة تخاف بروسيا بل وتناصبها العداء صراحة وتعلن في غير مواراة أنها تريد خلع تاج فريدريش الثاني وإعادته سيرته الأولى؛ ماركجرافا لبراندبورج. وهكذا اندلعت نيران حرب السنين السبع (1756-1763) التي أوشكت أن تحطم ملك فريدريش، إلا أن تدخل الحظ إلى جانب الإرادة الصلبة أنقذ فريدريش بل وأدخله في تاريخ العظماء باسم «فريدريش الأكبر».
كانت بروسيا (6 مليون نسمة تقريبا) تقف وحدها أو متحالفة مع بريطانيا العظمى في وجه النمسا وفرنسا وروسيا والرايخ الألماني (تعداد أعدائها بلغ حوالي 100 مليون نسمة). بدأت الحرب بزحف فريدريش على ساكسونيا فيما يسمى بحرب وقائية حتى يضمن محاصرة كافة الميادين التي يمكن أن يسلكها الأعداء، وأحكم قبضته على ساكسونيا. وزحفت الجيوش المعادية كلها عليه، فكان تارة يتغلب عليها وكانت تارة تقهره، حتى أوشكت أن تحيق به. وحدثت معجزة، ماتت قيصرة روسيا وتولى قيصر جديد (بطرس) كان يمت بصلة القرابة إلى فريدريش وتربطه بألمانيا البروسية وشائج عديدة منها الإعجاب الشديد بشخصية فريدريش، فتحالف معه، بعد أن كانت روسيا متحالفة ضده، واختل الميزان، فلما قتل القيصر بطرس وتولت عرش روسيا زوجته الآثمة كاتارينا آثرت أن تخرج روسيا من الحرب فلا تحارب مع فريدريش ولا ضده، وانتهت حرب السنين السبع. (3) أحداث مينا فون بارنهلم
والآن وقد أحطنا بالظروف التي خرجت فيها كوميديا مينا فون بارنهلم إلى النور، وهي في الوقت نفسه الظروف التي تصورها المسرحية في طياتها، نستعرض الأحداث ونتتبع تقدمها.
تبدأ المسرحية بتصوير الحال التي انتهى إليها الرائد فون تلهايم بعد أن أحيل إلى الاستيداع على أثر انتهاء حرب السنين السبع، وأصبح لا يمتلك من المال ما يسدد به إيجار حجرته بالفندق، ويدفع منه راتب خادمه، وينفق منه على حياته من نواحيها المختلفة. ويتجرأ صاحب الفندق، الذي لا يعرف غير المال ربا، فيخرجه من حجرته الجيدة وينقله إلى حجرة رديئة، ليؤجر الحجرة الجيدة إلى آنسة ثرية وصلت برلين لتوها آتية من ضياعها بساكسونيا. ويغضب الرائد ويثور لكرامته المجروحة ويقرر أن يترك الفندق لصاحبه الوقح، وينصرف دون أن يعرف إلى أين، ثم ما نلبث أن نتبين أن هذه الآنسة الثرية ليست سوى خطيبة الرائد فون تلهايم، وأنها أتت تبحث عنه لما انقطعت أخباره رغم انتهاء الحرب.
ووجدت الآنسة مينا فون بارنهلم خطيبها الضابط، في حالة يرثى لها، بلا مال ولا عمل ولا كرامة؛ أما ماله فكان قد أقرضه الجيش أثناء المعارك حتى لا يتأخر الزحف انتظارا لوصول المال من الخزينة، وأما عمله فقد أخرج منه على أثر وشاية بلغت الملك وصدقها الملك، وأما كرامته فقد فقدها لتصديق الملك الوشاية المهينة التي وصلت إلى مسامعه والتي تتلخص في أن فون تلهايم زور في الأوراق وادعى أنه نقد الجيش ما لا يدفعه، وأنه كان بذلك يهدف إلى الثراء غير المشروع ويرتكب جريمة مخلة بالشرف والكرامة.
ووجد الرائد فون تلهايم خطيبته، جميلة نضرة غنية كلها أمل في أن تسعد بالزواج به والحياة معه حياة رغدة كريمة، فقرر أن يحكم عقله وإرادته وأن يرفض - وحالته على ما بينا - الزواج بمينا، زواجا أصبح غير متناسب، وأصبح هو يرى فيه إما إهانة شخصية له، اعتقادا منه بأن مينا تريد الزواج به عطفا عليه، أو جريمة منه في حق الفتاة ذات الجمال والمال والحسب والنسب، إيمانا منه بأنه انتهى إلى الأبد بالنسبة لها.
अज्ञात पृष्ठ