ثم إن الخوارج لقي بعضهم بعضًا واجتمعوا في منزل عبد الله بن وهب الراسبيّ، فخطبهم وزهّدهم في الدّنيا، وأمرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم قال: اخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال أو إلى بعض هذه المدائن، منكرين لهذه البدع المضلة. فقال حرقوص بن زهير: إن المتاع في هذه الدنيا قليل، وإن الفراق لها وشيك. فلا تدعونكم بزينتها وبهجتها إلى المقام بها. ولا تلفتنكم عن طلب الحق وإنكار الظلم. فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. فقال حمزة بن سنان الأسدي: يا قوم إن الرّأي ما رأيتم: قالوا: ولوا أمركم رجلًا منكم، فإنه لا بد لكم من عماد وسناد وراية تحفون بها وترجعون إليها. فعرضوا ولايتهم على زيد بن حصين الطائي وعلى حرقوص بن زهير وعلى حمزة بن سنان وشريح بن أوفى العبسي فأبوها، ثم عرضوها على عبد الله بن وهب فقال: هاتوها، أما والله لا آخذها رغبة في الدنيا ولا أدعها فرارًا من الموت. فبايعوه لعشر خلون من شوال فكان يقال له ذو الثفنات، فاجتمعوا في منزل شريح بن أوفى العبسيّ، فقال ابن وهب: اشخصوا بنا إلى بلدة نجتمع فيها وننفذ حكم الله، فإنكم أهل الحق. قال شريح: نخرج إلى المدائن فننزلها؛ ونأخذ بأبوابها ونخرج منها سكانها، ونبعث إلى إخواننا من أهل البصرة فيقدمون علينا، فقال زيد بن حصين: إنكم إن خرجتم مجتمعين اتبعوكم، ولكن اخرجوا وحدانًا مستخفين. فأما المدائن فإن بها من يمنعكم، ولكن سيروا حتى تنزلوا بجسر النهروان، وتكاتبوا إخوانكم من أهل البصرة. قالوا: هذا الرأي، فكتب عبد الله بن وهب إلى من بالبصرة منهم ليعلمهم ما اجتمعوا عليه ويحثهم على اللحاق بهم فأجابوه. فلما خرجوا صار شريح بن أوفى العبسي يتلو قوله: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ إلى ﴿سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ وخرج معهم طرفة بن عدي بن حاتم إلى عامل على أمير المدائن يحذره، فحذر، وضبط الأبواب، واستخلف عليها المختار بن أبي عبيد وخرج بالخيل في طلبهم، فأخبر ابن وهب خبره، فسار على بغداد ولحقهم سعد بن مسعود
1 / 42