وقيل: إن نجدة بن عامر قال لابن عباس: كيف معرفتك لربك؛ فإن من قبلنا قد اختلفوا علينا، فقال له ابن عباس: ويحك يا نجدة !!! إن من نصب دينه على القياس لا يزال - الدهر - في القياس، مائلا عن المنهاج، طاغيا في الاعوجاج، ضالا عن السبيل، قائلا غير الجميل.
أعرف ربي بما عرف به نفسه من غير رؤية، وأصفه بما وصف به نفسه من غير صورة، لا يدرك ربنا بالحواس، ولا يقاس بالناس.
وقيل: إن ما من موضع حكم فيه رسول الله (- صلى الله عليه وسلم -) برأيه إلا عاتبه الله عليه، ثم أمسك بعدما عوتب، فأنزل الله تعالي: " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ".
وروي على عنه (- صلى الله عليه وسلم -) أنه قال: " لا تقيسوا الدين؛ فإن الدين لا يقاس" وأول من قاس - إبليس (لعنة الله).
وقيل: قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أيها الناس، إياكم والقياس؛ فإن أصحاب القياس أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يعوها، واستحيوا؛ إذا سئلوا: أن يقولوا: لا نعلم؛ فقاسوا برأيهم؛ فإياكم وإياهم.
فصل:
والقياس لا يجوز إلا على علة، ولا يجوز أن يقاس إلا على معلول، وهو: أن يرد حكم المسكوت عنه إلى حكم المنطوق به لعلة تجمع بينهما، ولا يجب تسليم العلة لكل من ادعاها؛ إلا بدليل له عليها.
والدليل على صحة العلة يستدرك من وجهين:
أحدهما: أن ينصب العلة فيجري في معلولاتها، ولا يمنع من جريها نص؛ فإذا جرت في جميع معلولاتها، ولم يكن هناك مانع من جريانها على صحتها.
والوجه الآخر: يجب الحكم بوجودها، ويرتفع بارتفاعها، ومثل ذلك:
أن التحريم في الخمر معلق بالشدة، والدليل على ذلك أن العصير حلال؛ فإذا حصلت فيه الشدة - حصل التحريم، وإن زالت عنه الشدة، وصار خلا حل، وارتفع عنه التحريم.
فلما كان التحريم معلقا بالشدة؛ يوجد بوجودها، ويرتفع بارتفاعها؛ فإذا رأينا هذه الشدة في غير الخمر - ألحقناه بها؛ للعلة الجامعة بينهما.
पृष्ठ 68