وأما ما يسمي باسم الفعل قبل كونه فمثل قوله تعالي: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " فسماها الله شهيدين قبل أن يشهدا، لجوازهما شاهدين في الحال الذي يشهدان فيه، وكذلك قوله: " إني أراني أعصر خمرا " وليس بخمر في حال العصير؛ وإنما يعصر عنبا حلالا، ولكن لما جاز أن يصير خمرا، ويستحق اسم الخمر من بعد جاز أن يسمي بالذي ينتقل إليه، وكذلك: الصيد يسمي صيدا قبل اصطياده؛ لأنه يجوز أن يكون صيدا.
وقد يجري على الشيء اسم فعل قد مضي؛ كقوله تعالي: " وألقي السحرة ساجدين "، فأجري عليهم اسم السحرة بعد توبتهم، وإسلامهم، ومثل هذا كثير.
فصل:
وأما حروف الخفض: فإن بعضها ينوب عن بعض نحو قوله جل اسمه: " ولأصلبنكم في جذوع النخل " أي: على جذوع النخل، وقوله: " قد نرى تقلب وجهك في السماء " أي: إلى السماء، وقوله: " وإن منها لما يهبط من خشية الله " أي: بخشية الله، وقوله: " له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله " أي: بأمر الله، والله أعلم وبه التوفيق.
القول العشرين
في الناسخ، والمنسوخ، وتعزية رسول الله
صلي الله عليه وسلم
قيل: إن النسخ على ثلاثة أوجه.
وجهان منهن مفهومان عند العامة، فأحدهما، انتساخ الشيء من كتاب كان فيه إلى كتاب آخر.
والآخر: نسخ الشيء، وتحويله، وتبديله، وهو الذي يفهمه الناس في القرآن والسنة جميعا.
والوجه الثالث: أن يحصي الشيء على عامله، ويستحفظ به عليه نحو قول الله جل ذكره: " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ".
يريد والله أعلم أنا كنا نحصيه عليكم؛ حتى يعيد ذكره إليكم، فتعلمون أنكم تجزون بما كسبت أيديكم.
पृष्ठ 190