فعلي هذا يجب أن يكون تعبير الخطاب؛ إذا ورد من الله جل ذكره، أو من رسوله (صلي الله عليه وسلم)، فما ورد بلفظ العموم: أجري على عمومه ما لم يخصه دليل الخصوص، وما جاء بلفظ الخصوص: أوقف على خصوصه ما لم يطلقه دليل العموم.
وفي هذا المقدار كفاية لمن أراد الله إرشاده، وهدايته، وبالله نستهدي، وعليه نتوكل.
فالخطاب إنما يرد من الله عز وجل بلغة من يخاطبه؛ لأنه مريد لإفهامه، قال الله تعالي: " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم " فالقرآن نزل بلغة القوم الذين بعث فيهم رسول الله (صلي الله عليه وسلم )، وهو مشتمل على ضروب من الخطاب.
فمنه المفسر الذي يستغني بلفظه عن بيان غيره، ومنه المجمل الذي لا يستغني عن معرفة بيانه، ومنه المحكم الذي يعرفه السامع، ومنه المتشابه الذي يفكر في تأويله العالم، ومنه ما يحتمل الوجوه التي لا يجوز القطع على شيء منها إلا بدليل يعلم من المراد منها، ومنه الإيجاب، والإلزام، ومنه الترغيب والإرشاد، ومنه الفرض، والندب، ومنه الإباحة والحصر، ومنه الكناية، والتصريح، ومنه الحقيقة، والمجاز، ومنه الخصوص، والعموم، ومنه التمريض، والإفصاح، ومنه الإطالة، والإيجاز، ومنه التكرير، والحذف، ومنه الإشارة والتلويح، ومنه التأكيد، والترديد.
وكل ذلك معروف في لغة العرب، وعلى حسب اختلاف هذه الضروب تختلف معاني أحكامها، ولكل ضرب منها صورة يعرف بها، وصيغة وضعت بها يعرف السامع بذلك المخاطب، وغض المتكلم، فمن عرف ذلك وضع الخطاب موضعه، ولم يعدل به إلى غير جهته، ومن قصر علمه عن شيء من ذلك التبس عليه ما قصر علمه عنه، ولن يدرك ذلك من لم يكن عاقلا مميزا، والله أعلم.
فالواجب أن يعبر كل خطاب بحسب المعروف باللسان؛ لأن منه ما يفترق، ولا يتفق، ومنه ما يتفق لفظه، ويختلف معناه، وما يتفق لفظه، ويتفق معناه، وكل ذلك معروف معناه عند أهل اللسان.
पृष्ठ 187