234

मिन्हाज मुत्तक़ीन

كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)

الوجه الثاني: أنه علق الرؤية بشرط مستحيل وهو استقرار الجبل حال تحركه، وتدكدكه إذ لو علقها باستقراره قبل ذلك أو بعد، ومعلوم أن ذلك قد حصل لوجب حصول الرؤية لحصول شرطها، هذا ما ذكره أصحابنا، ولهم أن يقولوا: بل علقها باستمرار الاستقرار، فكأنه قال: إن لم يتدكدك الجبل فسوف تراني، والأولى أن يجعل الوجه الثاني هو أن قوله تعالى: {فسوف تراني} يفيد في اللغة الاستقبال المتراخي، ومن مذهب الخصوم أن موسى سوف يراه في الآخرة، فإذا علق الله هذا التسويف والرؤية المستقبلة باستقرار الجبل ولم يستقر حكمنا بأنه لا يراه أبدا في المستقبل، وإلا بطلت فائدة الكلام؛ لأن عند الخصم أنه سوف يراه سواء استقر الجبل أم لا.

شبهة: تمسكوا بقوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة}.

والجواب: ليس النظر بمعنى الرؤية قط، بدليل: أنه يثبت وينفي، فيقال: نظرت إلى الهلال فلم أره، وتثبت الرؤية حيث ينفي النظر، فيقال في الله: رائي ولا يقال ناظر، وتعقب النظر بالرؤية فيقال: نظرت فرأيت ويجعل وصله إلى الرؤية، فيقال انظر لعلك ترى، ويجعل غاية له الرؤية، فيقال ما زلت أنظر حتى رأيت.

قالوا: النظر إذا قرب بإلى أفاد الرؤية. قلنا: محال بدليل قوله تعالى: {وتراهم ينظرون إليك /158/ وهم لا يبصرون} وقال تعالى: {ولا ينظر إليهم}، فإنه ليس معناه لا يبصرهم اتفاقا، وتقول العرب: نظرت إلى الهلال فلم أره، وحكى الرازي عن الخليل أن العرب تقول نظرت إلى فلان أي انتضرته.

وعن ابن عباس أن العرب تقول: إنما أنظر إلى الله وإلى فلان. وقال النابغة:

نظرت إليك لحاجة لم تقضها .... نظر المريض إلى وجوه العود

وقال الكميت:

وشعث ينظرون إلى بلال .... كما نظر الظماء حياء الغمام

أي ينتظروه، وقال آخر:

وقفت كأني من وراء حاجة .... إلى الدار من فرط الصيانة أنظر

فعيناي طورا تغرقان من البكاء .... فأغشى وطورا يحسران فأبصر

فأثبت النظر في حالتي الأبصار وعدمه، وقال آخر:

पृष्ठ 238