============================================================
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( لا يقبل الله صلاة امرىء وفي جوفه حرام)، فهلذه هذه وأما فضول الحلال : فإنه آفة العتاد ، وبلية أهل الاجتهاد ، وإني تأملت فوجدت فيه عشر آفات هن أصول في هلذا الشأن : الأولى : أن في كثرة الأكل قسوة القلب وذهاب نوره ، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب؛ فإن القلب يموث كالزرع إذا كثر عليه الماء" .
ولقد شبه ذلك بعض الصالحين بأن المعدة كالقذر تحت القلب تغلي، والبخار يرتفع إليه ، فكثرة البخار تكدره وتسخمه: والثانية : أن في كثرة الأكل فتنة الأعضاء وهيجها وانبعائها للفضول والفساد؛ فإن الرجل إذا كان شبعان بطرا.. اشتهت عينه النظر إلى ما لا يعنيه من حرام أو فضول ، والأذن الاستماع إليه ، واللسان التكلم به .، والفرج الشهوة له، والرجل المشي إليه ، وإن كان جائعا. . فتكون الأعضاء كلها ساكنة هادئة ، لا تطمخ إلى شيء منها ولا تنشط لها، ولقد قال الأستاذ أبو جعفر رحمه الله تعالى : إن البطن عضؤ، إن جاع هو.. شبع سائر الأعضاء - يعني : تسكن فلا تطالبك بشيء - وإن شبع هو.. جاع سائر الأعضاء.
وجملة الأمر : أن أفعال الرجل وأقواله على حسب طعامه وشرابه ؛ إن دخل الحرام.. خرج الحرام، وإن دخل الفضول.. خرج الفضول، كأن الطعام بذر الأفعال ، والأفعال نبت تبدو منه: والثالثة : أن في كثرة الأكل قلة الفهم والعلم؛ فإن البطنة تذهب الفطنة ، ولقد صدق الداراني رحمه الله حيث قال : (إذا أردت حاجة من حوائج الذنيا والآخرة.. فلا تأكل حتى تقضيها؛ فإن الأكل يغير العقل)(1).
وهذا أمر ظاهر، علمه من اختبره.
पृष्ठ 130