٢- تنوير: فقد تبين بهذا أن أغراض الشعر أجناس وأنواع تحتها أنواع. فأما الأجناس الأول فالارتياح والاكتراث وما تركب منهما نحو إشراب الارتياح الاكتراث أو إشراب الاكتراث الارتياح، وهي الطرق الشاجية. والأنواع التي تحت هذه الأجناس هي: الاستغراب والاعتبار والرضى والغضب والنزاع والنزوع والخوف والرجاء. والأنواع الأخر التي تحت تلك الأنواع هي: المدح والنسيب والرثاء والتذكرات وأنواع المشاجرات وما جرى مجرى هذه الطرق من المقاصد الشعرية. وسيأتي تفصيل هذه الجملة في موضعها في القسم الرابع إن شاء الله.
٣- إضاءة: فمعاني الشعر، على هذا القسم، ترجع إلى وصف أحوال الأمور المحركة إلى القول أو إلى وصف أحوال المتحركين لها أو إلى وصف أحوال المحركات والمحركين معا. وأحسن القول وأكمله ما اجتمع فيه وصف الحالين.
٤- تنوير: ولا يخلو الشيء في جميع تلك الأحوال من أن ينسب إلى الشيء بإيجابه له أو تزال نسبته إليه بسلبه عنه أو ينسب إليه لا على جهة إيجاب ولا سلب ولكن على جهة الاحتمال والإمكان. وكل ذلك لا تخلو أن تكون راجعة إلى ما يرجع إلى الشيء ويخصه في ذاته أو يكون غير راجع إلى ما يخصه في ذاته بل لأمر عرض له من غيره أو لما تدركه منه القوى الحسية أو التصورية أو بحسب نسبته إلى شيء تأخر في زمان أو مكان أو بحسب موقعه من اعتقاد ما أو بحسب ما يجعل شرطه فيه أو بحسب مقايسته بشيء آخر أو بحسب الفرض.
٥- إضاءة: والمتصرف في هذه المعاني لا يخلو من أن يكون مثبتا لشيء ببعض تلك الاعتبارات أو مبطلا أو مسويا بين شيئين أو مباينا بينهما أو مرجحا أو متشككا، ولا يخلو من أن يكون معمما أو خاصا حاصرا أو غير حاصر آخذا للشيء بجملته أو محاشيا بعضه. وللعبارة عن جميع ذلك أدوات وضعت للاختصار. وقد يعبر عن جميع ذلك بغير تلك الأدوات. فهذه وأشباهها من المعاني، التي تدل على مقاصد المتكلم واعتقاداته وأحكامه في التصورات والتصديقات المتعلقات بغرضه، معان ثوان ينوطها بمعاني كلامه لتبين فيها أحكاما وشروطا.
٦- تنوير: وهنا معان أخر، وهي أنحاء المخاطبات مثل أن يكون المتكلم مخبرا أو مستخبرا آمرا أو ناهيا داعيا أو مجيبا.
٧- إضاءة: فقد تبين بهذا أن المعاني صنفان: وصف أحوال الأشياء التي فيها القول، ووصف أحوال القائلين أو المقول على ألسنتهم، وأن هذه المعاني تلتزم معاني أخر تكون متعلقة بها ومتلبسة بها، وهي كيفيات مآخذ المعاني وموقعها من الوجود أو الفرض أو غير ذلك ونسب بعضها إلى بعض، ومعطيات تحديداتها وتقديراتها، ومعطيات الأحكام والاعتقادات فيها، ومعطيات كيفيات المخاطبة.
٨- تنوير: ويجب على من أراد حسن التصرف في المعاني، بعد معرفة ضروبها التي أجملت ذكرها، أن يعرف وجوه انتساب بعضها إلى بعض. فيقول: إنه قد يوجد لكل معنى من المعاني التي ذكرتها معنى أو معان تناسبه وتقاربه، ويوجد له أيضًا معنى أو معان تضاده وتخالفه. وكذلك يوجد لمضاد هـ في أكثر الأمر معنى أو معان تناسبه. ومن المتناسبات ما يكون تناسبه بتجاور الشيئين واصطحابهما واتفاق موقعيهما من النفس، ومنه ما تكون المناسبة باشتراك الشيئين في كيفية، ولا يشترط فيه التجاور ولا الاتفاق في الموقع من هوى النفس. وما جعل فيه أحد المتناسبين على هذه الصفة مثالا للآخر ومحاكيا له فهو تشبيه.
٩- إضاءة: فإذا أردت أن تقارن بين المعاني وتجعل بعضها بإزاء بعض وتناظر بينها فانظر مأخذ يمكنك معه أن تكون المعنى الواحد وتوقعه في حيزين، فيكون له في كليهما فائدة، فتناظر بين موقع المعنى في هذا الحيز وموقعه في الحيز الآخر فيكون من اقتران التماثل، أو مأخذا يصلح فيه اقتران المعنى بما يناسبه فيكون هذا من اقتران المناسبة، أو مأخذا يصلح فيه اقتران المعنى بمضادة فيكون (هذه مطابقة أو مقابلة، أو مأخذا يصلح فيه اقتران الشيء بما يناسب) مضاده فيكون هذا مخالفة، أو مأخذا يصلح فيه اقتران الشيء بما يشبهه ويستعار اسم أحدهما للاخر فيكون هذا من تشافع الحقيقة والمجاز.
1 / 2